يقولون : العقاب لا يؤذي، إنه يبني شخصية الولد ! هل هذا صحيح ؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مثال محدد : رئيسي في العمل يقول لي أمام كل زملائي (أحب مثال رئيس العمل لأنه يعكس العلاقة السلطوية التي يشعر بها الأهل تجاه أولادهم) : “أيتها الحمقاء، هل تفعلين هذا قصداً أم ماذا ؟ كم مرة قلت لك أن تبعثي لي نسخة عندما ترسلين ايميل لباقي الموظفين ؟ اذهبي إلى صالة الاجتماعات فوراً لتفكري بما فعلته وسأخفض تقييمك إلى الدرجة “ج” في هذا الفصل !”
ما الذي أشعر به في أعماق نفسي ؟ “شكراً سيد “ألف” لأنك علّمتني درساً في الحياة، بفضلك أشعر أنني أتقدم وأصبح أفضل”. لا أعتقد، لا! النتيجة ستكون بالأحرى :

• شعور عميق بالظلم والضغينة :”كل هذا بسبب أيميل واحد من أصل 3000 أرسلها كل يوم بنجاح، هذا لا يستأهل كل هذا الغضب !”

• شعور بالتمرد تجاه السيد “ألف” :“تشعر بأنك قوي أيها الغبي ؟ المرة القادمة، أنا الذي سأربح”
• شعور بعدم الكفاءة :“معه حق، أنا حمقاء”، “أنا غبية بالكامل، كنت أعرف أنني لا أنفع في هذا العمل”
• بالإحباط :“لن أفعل شيئاً بعد الآن”، “سألغي نفسي هنا”
• بحاجة للانتقام :” سأغرقه بنسخ من كل أيميلاتي حتى أجعل علبته البريدية تتعطل !”
• بالخوف في كل مرة أبعث فيها أيميلات، بفقدان الثقة بنفسي

لا شيء بنّاء أو إيجابي، أليس كذلك ؟ لا شيء سيساعدني على أن “أكبر”، على أن أستوعب وأفهم توقعات رئيسي وأعرفها، وأن أطبق القاعدة في مناسبات أخرى. لماذا يجب أن يكون الأمر خلاف ذلك مع أطفالنا، لماذا سنحفزهم ليعملوا أفضل عندما يشعرون بالإذلال ؟

إذا لم بكن لديكم عمل مكتبي مع تراتيبة واضحة، فقد لا تفهمون هذا المثال. طرحت هذا المثال لأن هذه المشكلة حدثت لي في عملي الأول، عندما كنت أتدرب في شركة استشارية. لقد كان هذا عملي الأول في شركة ولم أكن أفهم أهمية أن أرسل نسخة من الأيميلات إلى أناس ليس لهم علاقة مباشرة بعملي. ولهذا لم أنجح في إدخال هذه التعليمات في عقلي.

وبسبب ردة فعل رئيسي، يمكنني أن أضمن لكم أنني، كمبتدئة كنت أريد أن أثبت نفسي، اجتاحتني كافة المشاعر السلبية الواردة أعلاه. عندما تجاوزت الضغينة، وضعت قيد التشكيك كل صفاتي، ووجدت نفسي حمقاء حقاً لأنني لم أفعل شيئاً واضحاً كهذا. واذا كنت قد تقدمت في عملي، فهذا لأن زميلاتي اللطيفات في العمل شرحن لي ما لم أفهمه : لم أتجرأ أبداً بعد هذا على طلب شروحات إضافية من رئيسي.

غالباً ما لا نضع أنفسنا مكان أولادنا، الذين لا يمتلكون لا الخبرة ولا القدرات العقلية ولا النظرة الشاملة ليفهموا حقاً ما الذي ننتظره منهم. وليس لديهم لسوء الحظ أشخاص موثوق بهم يتولون دور الأهل الذين يهددون ويتوعدون ويؤنبون، ولذلك تكون مشاعرهم السلبية وإحباطهم عالية جداً.

إذن أنا أقولها، نعم، عقاب الولد يؤذيه : إنه ينمي في داخله الضغينة، الشعور بالظلم، الرغبة في التمرد، الرغبة في أن يفعل في السر ما لا يريد أن يراه الأهل، الرغبة في فعل الأسوأ ليرى إلى أين سيصل الأهل، تفاقم الاستفزازات.

خلال وقت عزلته، سيسترجع الولد كل هذه المشاعر السلبية ويطوّر استراتيجيات تجنبه معاودة الأهل إلى عقابه وإدانته : عند الغلطة القادمة، لن يذهب ليطلب مساعدتهم أو دعمهم. عند الأولاد الأكثر “خضوعاً” أو الألطف، أو الأكثر إحباطاً، يغذي العقاب الشعور بعدم الكفاءة، بعدم الانتماء، بعدم القدرة. بأنه سيء في جوهره وأنه لا يستحق أن يكون محبوباً، فبالنسبة للأولاد، خطوة واحدة تجر إلى خطوات كثيرة !

أحد أكثر التأثيرات أذىً برأيي، هو نمو الخوف من رجال الشرطة الذي يجعل الولد بشكل كامل ملتزماً بالرسالة التي يعتقد أن الأهل نقلوها له : نفعل أو لا نفعل هذا الشيء حتى لا نعاقَب. وهكذا ننجب أجيالاً من الأولاد يقودون بسرعة جنونية على الطرقات، ولا يبطئون إلا بوجود الرادارات كأنما الأمر المهم هو محضر المخالفة وليس حياة الناس. إنه إثبات واضح على عدم جدوى نظام العقاب المرتكز على القمع لا على تحمّل المسؤولية.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

التعليقات مغلقة.