لهذا السبب علينا ألا نعامل أولادنا كراشدين؟
ما الذي يحدث عندما نعاملهم كأشخاص ناضجين ، راشدين؟ وعلام نقضي بتصرفنا ذاك؟ تعرفوا معنا إلى السبب الذي يدفعنا إلى عدم التعامل معهم كراشدين؟
لقد أصبحنا نعيش في زمان «الاتحاد أو الاندماج» حيث نريد أن يتوحد كل شيء. فعلى الصعيد الاقتصادي نسمي ذلك «العولمة» وعلى صعيد الجنس نسمي ذلك «ملائم لكلا الجنسين (unisex)». تلك كلّها مظاهر الحاجة الإنسانية التي تجعلنا نسعى إلى الاتحاد ونحاول إلغاء كل الفروقات التي تباعد أو تفصل بيننا والواقع أن هذه الحاجة تنشأ من حاجتنا اللاواعية للعودة إلى الاتحاد والتآلف الذي خبرناه على المستوى الروحي يوماً.
أحد مظاهر هذا الميل هو الرغبة في اندماج الفئات العمرية وإلغاء الفروقات ما بين الأولاد والمراهقين والراشدين والكهول. يمكنك أن تراقب هذا من خلال طريقة الناس في اللباس. إذا راقبت ملابس الأولاد بدون الأخذ بعين الاعتبار حجمها تلاحظ أنها تبدو كملابس المراهقين.
في هذه الأيام، يرتدي الأولاد ملابس تشبه ملابس المراهقين والراشدين وحتى الطاعنين بالسن. وتحاول وسائل الإعلام أن تقنعنا أن أفضل مرحلة من مراحل عمرنا هو الشباب وهكذا ينبغي علينا أن نلغي الطفولة والرشد والكهولة. قد لا يؤذي هذا الميل الكهل (إلا على صعيد رصيده المصرفي الذي سيتآكل بسبب الدفع على العمليات الجراحية والكريمات التي تجعل الشخص يعتقد أن الزمان يتوقف وتوهمه بأن الجسم لا يبلى وأن الكهولة هي انحلال الجسم وأن بالإمكان تجنب هذا الانحلال). ولكن لهذا تأثيرات خطرة على الطفل. فعندما نلبس الطفل كما يلبس الراشد، فإننا بذلك إنما نتجاهل عدم خبرته التي تتطلب نضجاً لم يحققه بعد.
وعلى المرء أن يأخذ بعين الاعتبار ألعاب الأولاد في رياض الأطفال التي تغيرت على صعيد الجنس. في الماضي كان الأولاد يلعبون لعبة «الطبيب» حيث يكون على الطفل أن ينزل بنطلونه ليفحصه الطفل الآخر ومن ثم يقلبون الأدوار. أما في الوقت الحالي فالصبي ينام، وهو يلعب، على الفتاة ويدعيان أنهما يمارسان الجنس. ستجد هناك دائماً أماً مصدومة تشكو إلى المدرسة ولكن لماذا قد يصاب أي كان بالدهشة والأولاد يشاهدون برامج الراشدين التلفزيونية وأفلامهم ويجلسون أمام الكمبيوتر وينزلون الأشياء الخاصة بالراشدين من الانترنت.
التقت ليزا بستار وهي خارجة من السينما برفقة ابنتها البالغة من العمر ست سنوات. أخفضت صوتها وسألتها: «مرحباً، ستار! ألا تعتقدين أن ذلك الفيلم غير مناسب لبنت صغيرة؟». «نعم أنت على حق ولكنني لم أجد جليسة تبقى معها واليوم هو اليوم الأخير لعرض هذا الفيلم، فكان أن قررت جلبها معي ولكني كنت أغطي عينيها كلما كان هناك مشهد جنسي».
عندما نعامل الطفل كراشد، فنحن لا نلغي طفولته بل نشوّهها فقط ونقصر عمر الطفولة ونعبئها بالخوف والقلق. والذي يحدث أن الطفل يترجم، على طريقته، أي حالة لا يفهمها ويكبر متضرراً من قسوة الواقع.
من مظاهر هذه النزعة إلى الاندماج التي تضلل أيضاً، مسألة المساواة بين الجنسين. وهي تعني أن الرجال والنساء متساوون، فنمحو بذلك ما يميز بين الرجل والمرأة. الواقع أن هذه النظرية تضع الرجال والنساء في حالة من التنافس بدل أن توّحدهم فينتهي بنا الأمر بأن نصبح متباعدين أكثر من أي وقت مضى. الرجال والنساء متساوون بإنسانيتهم ومتساوون من حيث حقهم بالاحترام والوقار. هم متساوون في الحقوق فكلا الجنسين يستحقان الفرص ذاتها والتعامل معهما في العمل والبيت باحترام. ولكلاهما الحق في الترعرع وتحقيق شخصيته كفرد. ولكن كما ذكرنا سابقاً ليس بمقدور أحد أن يلغي الفروقات التي تميزنا كرجال ونساء. عندما نعرف داخلياً المعنى الحقيقي للمساواة، تزول الحاجة إلى التنافس الذي نريد منه أن نبرهن قدراتنا وكفاءاتنا.
من التأويلات الخاطئة لحقوق الإنسان هو أن الطفل والراشد على ذات المستوى من النضج والمعايير. في أمريكا مثلاً يسمح القانون للطفل بمقاضاة أهله إذا أساؤوا معاملته، وهذا ما يضع مسؤولية الراشد في يد الطفل. هل تتصور مقدار الصراع الداخلي الذي يحدثه السماح للطفل بإمكانية التخلص من عون أهله ومقدار التلاعب الذي يسببه هذا الوضع؟ مع أن محاربة الإساءة إلى الطفل أمر جدير بالاهتمام إلا أن هذه الوسيلة خطرة. كم من الأولاد ممن يملكون هذه القوة بين يديهم قد يسيئون استخدامها عبر تهديد أهاليهم والتلاعب بهم عندما لا يسمح لهم أهلهم بالقيام بما يريدون. بحسب هذا القانون انقلبت الأدوار: الأولاد يسيطرون والأهل يذعنون.
التعليقات مغلقة.