كيف تحمي أسرتك؟
من منا لا يريد أن يحمي أسرته؟ من منا لا يريد ان يقدم لأسرته كل ما بمقدوره لإسعاد أبنائه وبناته؟ إن كنت واحداً أو واحدة من هؤلاء عليك أن تقرا هذه المقالة لتصل باسرتك إلى بر الأمان.
لا شيء يتأثر بالثقافة الشعبية والتكنولوجيا أكثر من الأسرة. وقد أسهم تأثير التكنولوجيا وتأثير الثقافة الشعبية في خلق شرخ متزايد بين الأدوار التقليدية التي يلعبها الأولاد وأهلهم، وشوّشا في الوقت نفسه هذه الحدود بين الأهل والأولاد. خلال العقدين الأخيرين، تلقّى الأولاد الذين يشاهدون التلفزيون مثلاً رسائل من الثقافة التلفزيونية تقول لهم إن الأهل انانيون غير ناضجين، غير أكفّاء ولا يفهمون عامة أي شيء مما يحدث حولهم. من البرامج التي تزرع هذه الأفكار Super Nanny وHousewives| Malcolm in the Middle , I Hate My Teenage Daughterوغير ذلك من البرامج.
وقد كبرهذا الشقاق بسبب ازدياد استخدام التكنولوجيا بطرق عدّة عند الأولاد.
أوّلاً، ان استغراق الأولاد في التكنولوجيا، من بعث الرسائل النصّية الى اللعب بألعاب الفيديو، يحدّ بطبيعته تواصلهم مع أهلهم. وقد وجدت احدى الدراسات أنه عند عودة الأب – أو الأم – الى البيت من العمل، يكون الأولاد مستغرقين في التكنولوجيا لدرجة أنهم يلقون التحية على الأب في 30% فقط من الحالات ويتجاهلونه كلّياً في 50% من الحالات. وأفادت دراسة أخرى أن الوقت المخصّص للأسرة لا يتأثّر عندما تستعمل التكنولوجيا للواجبات المدرسية، لكن التكنولوجيا تضرّ بالتواصل بين أفراد الأسرة عندما تستعمل لأسباب اجتماعية. وما يثير الاهتمام هو أن الأولاد الذين قضوا وقتاً طويلاً جدّاً على موقع رائج للتواصل الاجتماعي أشاروا الى أنهم يشعرون بدعم أقل من أهلهم.
ثانياً، لأن الأولاد “مهاجرون رقميون”، قد يجد الأهل صعوبة في اكتساب البراعة اللازمة والراحة مع التكنولوجيا الجديدة التي يتقن استخدامها أولادهم ” السكّان الأصليون الرقميون”. هذا الفارق في الكفاءة في هذا المجال المهم في حياة الأولاد يجعل من الأصعب على الأهل الاضطلاع بدور المعلّم والمرشد في استخدام أولادهم للتكنولوجيا. وبسبب غياب الفطنة التكنولوجية عند الأهل، فإنهم يفتقدون للسلطة، على الأقل من وجهة نظر أولادهم. وبسبب قلق الأهل أو خشيتهم من استخدام التكنولوجيا، قد يكونون غير مستعدّين لفرض أنفسهم في حياة أولادهم التكنولوجية. و بسبب حس الأولاد بتفوّقهم وعدم احترامهم لسلطة الأهل في هذا المجال، قد يكونون غير مستعدّين للإصغاء الى محاولات أهلهم لتوجيه استخدامهم للتكنولوجيا او وضع حدود له.
ثالثاً، وفّرت تكنولوجيا الكمبيوتر والهاتف المحمول للأولاد الاستقلال في اتصالاتهم بأصدقائهم وبالآخرين. فكّروا في ما يلي: في الأجيال السابقة، اذا أراد الأولاد الاتصال بأحد الأصدقاء، كان عليهم الاتصال به من هاتف المنزل، الذي قد يجيب عليه أحد الوالدين. هكذا، كان الأهل قادرين على المراقبة والتصرّف كبوّابين لحياة أولادهم الاجتماعية.
لكن الزمن تغيّر. تسمح التكنولوجيا الجديدة للأولاد بأن يستقلّوا عن تدخّل أهلهم في حياتهم الاجتماعية، باستعمالهم للهواتف المحمولة والرسائل الفورية ومواقع التواصل الاجتماعي. يرى الأولاد بالطبع هذا الشرخ التكنولوجي بينهم وبين أهلهم كتحرّر من فرط تدخّل أهلهم في حياتهم. بالمقابل، يعتبره الأهل سبباً في فقدان التواصل مع أولادهم وفي عدم قدرتهم على الإشراف بشكل معقول على حياة أولادهم – من أجل تأمين سلامتهم وصحّتهم على جميع الأصعدة. في الوقت نفسه، قد يعني انغماس الأولاد في التكنولوجيا، أن الأهل لم يعودوا مضطرّين لتسلية أولادهم فيحصلون بذلك على مزيد من الوقت لأنفسهم.
لا شك على الإطلاق في أن التكنولوجيا تؤثّر سلباً في العلاقات الأسرية بشكل يومي. فالأولاد يرسلون الرسائل الفورية باستمرار، يتحققون من مواقع التواصل الاجتماعي، يستمعون الى الموسيقى، يبحثون عن الجديد في المواقع المفضّلة لديهم على الانترنت، ويشاهدون التلفزيون أو أفلام السينما. وبفضل ظهور تكنولوجيا الأجهزة المحمولة، لم تعد هذه الاستعمالات محصورة في البيت، بل يمكنها أن تحدث في السيّارة، في المطعم، في أي مكان يتلقّى ارسال الهاتف المحمول.
لا تقع المسؤولية على الأولاد وحدهم في ازدياد الشقاق بين الأهل والأولاد. فالأهل مذنبون بالقدر نفسه في المساهمة في خلق مسافة بين أفراد العائلة الواحدة، وهي مسافة يبدو أنها تزداد باستمرار. فالأهل غالباً ما يكونون مستغرقين في التكنولوجيا الخاصة بهم فيتكلّمون مثلاً في هواتفهم المحمولة، يتحققون من بريدهم الالكتروني او يشاهدون التلفزيون، في حين يمكنهم التحدّث الى أولادهم، اللعب معهم، أو التواصل معهم بشكل عام.
والملفت أن الأهل حاولوا مقاومة هذا الشقاق المتزايد ليس بالتواصل وجهاً لوجه مع أولادهم ولكن بالإنضمام الى أولادهم في عالم الانترنت . ومن الظواهر التي ولّدت الكثير من النقاش “مصادقة” الأهل لأولادهم على الفايسبوك (حوالى 50%). ويستخدم بعض الأهل الفايسبوك لتتبّع “مشاريع” أولادهم. في حين أن بعضهم الآخر “يصادقون” أولادهم على الفايسبوك كوسيلة ليشعروا أنهم أقرب منهم. فما هو رد فعل الأولاد على “مصادقة” أهلهم؟ أظهر استفتاء غير رسمي أجري على عشرات المراهقين ان رد الفعل الطاغي هو أقرب ما يكون الى…الاشمئزاز. لا يرغب معظم الأولاد في ان يكون أهلهم “أصدقاء” لهم في العالم الرقمي أو حتّى أصدقاءهم في عالم الواقع.
في الحقيقة، تغيّرت الحياة العائلية في الجيل الأخير بغض النظر عن تطوّر التكنولوجيا. ازداد حجم المنازل بنسبة 50%، ما يعني أن أفراد العائلة يمكنهم الانعزال كل في زاويته الخاصة من البيت، بحيث يقل احتمال رؤية الأولاد والأهل لبعضهم البعض. ولأن الجميع شديدو الانشغال بالعمل والمدرسة والأنشطة خارج المنهاج، أصبح هناك وقت أقل يمضيه أفراد الأسرة بعضهم مع بعض. أضف التكنولوجيا الى المزيج فتزيد الطين بلّة. تفاقم الوضع لدرجة أنه يبدو وكأن الأهل والأولاد يتراسلون بالبريد الالكتروني والرسائل القصيرة أكثر مما يتحادثون – حتّى عندما يكونون في البيت معاً!
لهذا التباعد عواقب خطيرة. فتراجع التواصل – الحقيقي- يعني أن العائلات غير قادرة على بناء علاقات قوية بالنحو المطلوب كما أنها غير قادرة على الحفاظ عليها أيضاً. وبالتالي، فإن الأولاد سيشعرون بقدر أقل من الحميمية والراحة والثقة والأمان، والأهم أنهم لن يشعروا بالقدر الكافي من حب والديهم. وفي هذه الحالة، تقل أيضاً المشاركة، ما يعني أن الأهل لا يعرفون بكل ما يجري في حياة أولادهم، ما يجعلهم غير قادرين على التأثير فيهم. ولم تقلّ قدرة الأهل على تأمين الإشراف والتوجيه المناسبين فقط ولكن، على مستوى أساسي أكثر، قلّت قدرتهم أيضاً على تقديم مثال للسلوك الصحّي، تعليم القيم الإيجابية، وبعث رسائل جيّدة الى أولادهم.
التعليقات مغلقة.