يوم عرفتُ أن ابنتي تحتاج إلى تشخيص لمرض التوحّد
لو قلتُم لي منذ 4 أشهر إنني سأكتب اليوم عن ابنتي المصابة بالتوحّد لكنت لكم إن هذا غير صحيح. لم ألاحظ ذلك منذ 4 أشهر.
كما لم ألاحظ عندما دلّني طبيب الأطفال على العلامات حين كتب على دفتره بعد أن رآها وهي تلعب. عندما أنهى مقابلته وصرّح أنه متأكّد بأن ابنتي تعاني من هذا الاضطراب، شعرتُ بأنني فقدتُ الإحساس ثم فجأة اختفى الصوت من الغرفة واستطعتُ سماع صوت نبضات قلبي بأذنَيّ.
ثم وجدتُ نفسي أغضب منه بهدوء عندما شرح لي كيف أنها لا تضع عينَيها في أعيننا وكيف تكسّر السيّارات وتبعثر أبراج المكعّبات ولكنها لا تستطيع بناء برج مكعّبات بمفردها. وكيف أنها تعرف كافة الأشكال والألوان وكلّ صورة مرسومة على كلّ بطاقة تعليميّة ولكنها غير قادرة على الإجابة بالشكل المناسب على التعليمات البسيطة. وكيف تكرّر الجملة مِرارًا وتكرارًا لكي تتواصل ولكنها لا تستطيع الإجابة على سؤال نعم أو لا بكلمة “نعم”. لا تستطيع أن تتبادل حديثًا ولا تطرح الأسئلة بتاتًا، ولا تستخدم الضمائر. ترفرف بيدَيها وتمشي وتركض عشوائيًا.
ما أزعجني أكثر في هذا التشخيص لم تكن الخمس عشرة ساعة في الأسبوع من علاج التدخّل المبكر ولا تعبئة كومة من الأوراق من أجل تسجيلها والبدء بنظام تعليمها الانفراديّ في المدرسة ولا مقابلة موظّفي التنسيق والعاملين على هذه الحالات ولا حتّى أننا لا نعرف ما قد يخبّئه المستقبل لها. بل ما أزعجني هو أنه فجأة كلّ الأمور التي كنتُ أحبّها في ابنتي – كافّة الأمور التي شعرتُ بأنها تميّزها وتجعلها رائعة – هي الآن عوارض لهذا الاضطراب.
لم يكن يراها كما أراها أنا. لم يرَ أنها على الرغم من أنها لا تستطيع بناء ثلاثة مكعّبات فوق بعضها، يمكنها بناء مدينة Duplo كاملة أكثر تعقيدًا وإبداعًا من أي شيء آخر يمكن بناؤه وبالطبع أكثر إبداعًا من أي شيء مرسوم في الإرشادات.
لم يرَ أنها على الرغم من أنها تشعر بالإحباط بسرعة، تتحمّس بطريقة لم أتحمّس بها يومًا. لطالما سرِرتُ بأنها لا تشبهني. كنتُ خجولة جدًا ويصعب عليّ التعرّف إلى أصدقاء عندما كنتُ صغيرة. على الرغم من أنها لا تقول “مرحبًا” ولا تعرّف عن نفسها بالطريقة المناسبة إلى الأطفال الآخرين ولا تسألهم ما اسمهم، لم يستطِع الطبيب أن يرى السعادة الطاهرة على وجهها عندما تركض نحوهم وتحاول التعرّف إليهم بشكل غير لفظي بل بالقفز والإبتسامة والأنين عن بعد إنشَين من وجههم. أعشق كيف أنها تعيش في عالمها الخاصّ ويبدو من الواضح أنها تعمل على موجة تختلف عن سائر الأطفال من حولها. بعض الأطفال يخافون منها والبعض الآخر ينظرون إليها كأنها تثير الفضول بينما الآخرون ينضمّون إليها.
لم يرَ أنها على الرغم من أنها بالكاد تنظر إلى أعيننا إلا أن عينَيها عندما تجدان عينيّ يشرق وجهها وتضحك كأنه أكثر شيء مضحك في العالم. لا يرى كيف تمسك بوجهي وتقرّبه إلى وجهها وتصرخ كأنها تأخذني إلى عالمها بيدَيها الصغيرتَين.
حاربتُ فكرة تشخيص مرض التوحّد عندها لأنني كرهتُ فكرة خنق تميزها بالتسميات. بعد ثلاثة أيام عندما كنّا نقف في الصفّ في متجر حين كنت أحاول أن أختار لها الأدوات لحفلة عيد مولدها الثالث، بدأتُ أفهم لما نحتاج إلى هذا التشخيص. أصبحت تائهة وانهارت فجأة فحملتها بين ذراعيّ في حين كانت تركلني وتضربني وتحاول أن ترمي بنفسها على الأرض. لم أستطِع التحكّم بها ولا تهدئتها فاضطررتُ أن أنتظر بصبر دوري بينما كنتُ مذعورة من الداخل. كنت أحارب بدموعي وشعرتُ بأعيُن جميع الناس من المحاسبين إلى الناس الواقفين في الصفّ يحدّقون ويتهامسون.
استغرقتُ وقتًا طويلًا لأصل إلى حيث أنا في تقبَّل التشخيص الأوّل وأعلم أنه ما زال أمامنا طريق طويل – لنتعلّم كيف نكون أفضل المدافعين عنها وكيف نعيش هذا العالم الجديد ما بعد التشخيص. ما زلتُ أرى نفسي أحلّل سلوكها باستمرار وأتساءل إلى أي مدى هو طبيعي نموّ هذه الطفلة وإلى أي مدى هي متوحّدة.
كلّما حلّلتُ أكثر كلّما رأيتُ نفسي لا أبالي. التشخيص مهمّ لأنه يكفل لنا أن نتعلّم كيف نعطيها الوسائل لكي تنجح فتعبش الحياة التي تريدها لنفسها – كأي أهل مع ولدهم أكان يعاني من الاضطراب أم لا. على الرغم من أن ليس لديّ أدنى فكرة عمّا يخبّئ لها المستقبل إلا أنني أعرف أنها ستعيش الحياة التي تريدها لنفسها – مهما كان شكل هذه الحياة – لأنها أكثر من مجرّد مجموعة عوارض وما من تشخيص سيغيّرها أو يعرّف عنها.
إذا وجدتم هذه المقالة التي قدمناها لكم من ifarasha مفيدة، نرجو أن تشاركوها مع غيركم من الآباء والأمهات. شكراً لكم !
التعليقات مغلقة.