هل تصرفات أولادنا مرآة لتصرفاتنا ؟
كان إيثان ابن الست سنوات ذكياً نشطاً ، لطيف المعشر، سهل العريكة ولكن مؤخراً أصبح إيثان في ملعب المدرسة متسلطاً، يقول لرفاقه إنهم يلعبون بعض الألعاب بشكل خاطئ وأخد يستقوي قليلاً على الأولاد الأصغر منه.
من قبل لم يكن قط عنيفاً ولكنه لم يكن محبوباً كثيراً. بذلت أمه فيونا جهدها لتفهم ما الذي يزعج إيثان وراحت تُفهمه ما معنى ان يلعب بطريقة حسنة مع الآخرين. وفي هذه الأثناء كانت تشعر بأن الأمهات الأخريات يلومونها على تصرفات إيثان . كانت تشعر بالإحراج ولكنها لم تكن ترى انهن على غلط بحكمهن عليها. فمن غيرها المسؤول عن تصرفات ابنها؟
إننا نلوم الأهل على تصرفات أبنائهم. ومع أننا نخطّئ الأمهات غالباً أكثر من الأباء إلا أن النتيجة واحدة. إذا كنا أباء صالحين ، فسيصبح أبناؤنا صالحين مثلنا واذا كنا أباء طالحين فسيصبح أبناؤنا طالحين. ومع أن الأبحاث برهنت أن نمو الإنسان في الطفولة يتأثر بعوامل عديدة ، إلا أننا لا نقدر إلا على لوم أنفسنا على ما وصل إليه أولادنا.
ولكن إلى أي حد يعكسنا أبناؤنا؟ الواقع أنهم الى حد ما انعكاس لنا بالتأكيد ولكن ليس إلى الدرجة التي نعتقدها غالباً. عندما يتصرف ابننا في السوبرماركات أو المدرسة بطريقة سيئة، نشعر بالقلق ونخشى مما سيفكر به الآخرون في حقنا : أي أم هي؟ الا تستطيع السيطرة عليه؟ وفي المقلب الآخر، نحتفي ونشعر بالسعادة عندما يتصرف أبناؤنا بطريقة جيدة وعندما يتفوقون في الرياضة أو المدرسة لأننا نشعر بأن الآخرين سيحكمون علينا، بسبب نجاح أولادنا، بأننا أهل صالحون مميزون.
لهذا السبب ندفع أولادنا غالباً إلى القيام بأنشطة قد لا يختارونها أو نطبع في شخصيتهم صفات ليست موجودة فيهم فطرياً . عملت إحدى صديقاتي منذ أصبحت ابنتها في عمر تستطيع فيه الكتابة على تشجيعها على الكتابة . نعم هذا شيء جيد نعلمه لأبنائنا ولكنها عندما ألحت على ابنتها على الكتابة وإعادة الكتابة مرارا وتكراراً ، ذهبت في الأمر بعيداً جداً وأصبح الموضوع طريقة لإرضاء مقاييسها العالية او لتُري الآخرين قدرات ابنتها. المسألة أننا كأهل نحاول في أحيان كثيرة تحفيز ابنائنا وتشجيعهم على القيام ببعض الأشياء من أجل إرضاء حاجاتنا نحن وليس حاجاتهم هم.
عندما نفعل ذلك، أي توجيه أولادنا لتلبية رغباتنا وحاجاتنا وتحديد الطريقة التي يجب أن تمشي عليها الأمور، إنما نحن بذلك نحرمهم من تنمية إحساسهم بذاتهم. ونخنق إبداعهم الفطري واندفعاتهم الداخلية. والأنكى أننا قد ننقل رسالة إلى عقلهم اللاوعي بأنهم لن ينالوا حبنا إلا اذا كانوا مثلنا.
على الرغم من أن أليكس إبن السبع سنوات كان يئن ويشتكي في كل مرة كان عليه فيها الذهاب للتمرن على كرة القدم، إلا أن أباه تايلر ظل يحثه ويشجعه على التمرن واعظاً إياه عن أهمية الرياضة واللعب في فرقة . وعندما أظهر أليكس لا مبالاته في دروس العزف على البيانو، أعطاه والده الضوء الأخضر ليترك .عندما كان تايلر في الثانوية كان رياضياً ومنذ شبابه وهو يعتبر كرة القدم شيئاً هاماً أما عزف البيانو فشيء لم يهتم به قط. الرسالة المستترة التي أرسلها تايلر إلى ابنه هي ” الشيء الذي يستحق أن تسعى وراءه هو الشيء الذي يهتم به والدك” ولكن أين أليكس يا ترى في هذه المعادلة ؟
عندما يبلغ أولادنا سن المدرسة أو قبل ذلك ربما، سيبتعدون عنا لعدة ساعات باليوم . وعندئذ سنصبح أقل تحكماً بتصرفاتهم وبالأشياء والناس الذين يمرون بحياتهم. مما لا شك فيه أن من الهام أن نأخذ الملاحظات وأن نعمل على كبح أي مواصفات غير مرغوب فيها تظهر عندهم، علماً أن ابتعاد أولادنا عنّا بعض الوقت أمر جيد فذلك يعطي أولادنا مجالاً لينموا ويكتشفوا الحياة على طريقتهم.. ومع ذلك سنظل أهمّ الناس تأثيراً بهم وسيأخذون منا حتماً بعض أفكارنا وطريقة كلامنا وحركاتنا وعاداتنا وتحيزنا ومواهبنا. ولكن ليس عليهم أن يكونوا صورة أو مرآة لنا.
ليس من السهل أن نعترف أن كل عمل يقوم به أولادنا ما هو إلا نتيجة مباشرة لما قلناه أو فعلناه أو علمناهم إياه. وليس سهلاً أيضاً أن نعطيهم الحرية لاختيار بعض الأشياء. مثلاً أن يقرروا كم من الوقت يحتاجون ليدرسوا الإملاء، أي ثوب سيختارون ارتداءه… نعم سيحدث أن يتخذوا قراراً خاطئاً ولكن من الهام أن نتذكر أن هذا الفشل ليس فشلاً فعلياً بل جزءاً من مسار التعلم والنمو وامتلاك شخصيتهم الخاصة بهم. أحيانا قد يحرجوننا ولكنهم سيجعلوننا أيضاً نشعر بالفخر.
التعليقات مغلقة.