أولادكم هم مرآة الطفل الذي في داخلكم
إن برمجتكم المسبقة لطريقكم في الحياة ومستواكم الروحي هي التي تجعلكم تشعرون بالسعادة بمرافقة شريك أو شريكة ما. وعندما يحين الوقت المناسب تُنجبون كائنات محبوبة ومحِبّة، أي أولادكم.
أولادكم هم مرآة الطفل الذي في داخلكم. إنهم الصدى المدهش لكم، وهم يتّصلون على الفور بكينونتكم ويساعدونكم على الإدراك عندما تعيشون في حالة نزاع مع أنفسكم أو مع المقربين منكم. بالنسبة إلى أولادكم وحدها ذبذباتكم هي التي تحمل حقيقتكم. وإذا لم تكن هذه الحقيقة موجودة في كلامكم وأفكاركم وأفعالكم فهم يدخلون معكم في لعبة الاختبار. والسبب الذي من هم أجله معكم هو تسليط الضوء على أفضل ما عندكم.
يلتمس أولادكم صدقكم. ولا ينتظرون منكم إلا أصالتكم التي تحتضن حبكم غير المشروط. أولادكم هم امتدادكم الطبيعي بما أنهم موصولين بكم. يأخذون كلّ شيء منكم حتى أسراركم. ويكبرون وهم يعيشون تجاربهم وفي الوقت نفسه يقبلون بداعي الحب أن يتابعوا سلسلة معاناتكم التي لا تزول.
إن تأسيس العائلة يعني تمديد إرثٍ ما أي احتضان قيم الأهل والأسلاف وآلامهم. إذا لم يتمكّن الأهل من التحرّر من أوهامهم وعدم فهمهم، يختار الأولاد – بفرح – أن يتحملوا هذه المهمة وأن يقدّموا هذه الهديّة لإرثهم الجيني ولقلبهم.
الطفل الداخلي
يفرض مجتمعنا على الأهل معتقد أن أولادهم ملك لهم وأنهم تكريس لتقدّمهم وشهادة لخلودهم من خلال بقاء قسم منهم على الأرض، يحمّلونهم آمالهم وندمهم وفشلهم ونجاحاتهم. ويأمرون أنفسهم بأن يكونوا أمامهم أبطالًا ورموزًا للأمان والديمومة.
يعتقد الأولاد أن على الأهل أن يحملوا إجابة لكل شيء. والخيبة التي تنجم عنهم تجرح الأولاد بعمق لا بسبب الأكاذيب بل بسبب نفي الأهل لحقيقة أنهم يعيشون في الوهم ورفضهم أن يعوا الأمر.
بحسب وجهة نظر الأمم المتّحدة الأولاد ليسوا ملكًا لأحد بل ملك لأنفسهم بما أنهم كائنات ذات سيادة إلهية. لا يطلبون إلا أن يتم توجيههم نحو ثقتهم الداخلية وتلقّي التعليم الذي يقودهم نحو الإستقلالية والحريّة. يبقى الأهل رفقاء حريصين ومحبّين يستجيبون إلى المطالب من دون أن يفرضوا أي شيء سامحين للأولاد أن يطوّروا تدريجيًا تفكيرهم وصوابهم ومانحين إيّاهم انفتاحًا على المجهول مع آفاق واسعة لم يكتشفها الأهل بعد.
وعندما يظهر تعارض في الطريق عند الأهل وينفصل الأم والأب تفسّرون للولد بنيّة حسنة أنكم لم تعودوا تحبّون بعضكم. وبهذه الطريقة تصدرون للطفل قانونَين يزعزعان استقراره: الحب يمكنه أن ينتهي والحب يعتمد على شخص آخر. وبالتالي تُدخِلون فيه فكرة أنه من الممكن للأهل أن يتوقّفوا عن حبّه هو الابن.
إنه لا يفهم لأنه يكنّ حبًا غير مشروط لأهله. هل الحب قابل للفشل ومشروط؟ ثم يوجّه الطفل السؤال إلى نفسه “هل أحببتهم بما فيه الكفاية؟”.
يصبح الانفصال ألمًا عند الولد وينتهي بإلقاء اللوم على نفسه. ومع أن عقله اقتنع بكلام الكبار فإن قلبه ينقل له رسالة أخرى: الحب موجود دائمًا وهو صامد من الروح إلى الروح. لا ينفصل الأهل بسبب نقص الحب بل لأنهما عاشا كلّ ما اختارا أن يتشاركاه ولأنهما تبادلا هدايا التجارب ولأن طريقهما نحو السعادة تتطلّب من جديد مزيدًا من التعمّق. يلتمس الطفل منكم هذه الراحة وتلك النظرة الحيادية والواسعة على مساركم المنفصل عن مشاعر التعلّق والغضب والخيبة.
مثلكم مثله
أن تكونوا أهلًا يعني أن تراقبوا في أنفسكم معتقداتكم وخارطة طريقكم وذكريات الطفولة والتعليم الذي تلقّيتموه. وإنجاب الطفل يفتح أبواب البحث عن الذات ويجعل الحب غير المشروط يصدح في الداخل. يعلّمنا الولد أن ننفصل عن أنفسنا لكي نحترم مساره وشخصيّته. نحن لا نكوّنه بل نرافقه أثناء اكتشافه لفرادته. ويظهر انفتاحه على المجتمع بحسب ثقته بنفسه وبالحياة. أنتم مثاله الأعلى. وهو لا يطلب منكم سوى وعيكم.
تقف مسؤوليتكم عند جوهركم الفردي. بينكم وبين إبنكم عقد روحيّ. وهو تقبل منكم خبراتكم المرتبطة بمساركم الداخلي. هو يعيش في اللحظة الحاضرة ويتغذّى من مشاركة الحب. لأنكم كلّما ازداد حبّكم له وفتحتم قلبكم أكثر كلّما فهمتم وجوده معكم. وأنجزتم شروط العقد.
التعليقات مغلقة.