ابني ذكي ولكن !
لقد انمحى الفصل ما بين عالم الطفل وعالم الراشد. في التربية المتساهلة، يعتبر الطفل حكيماً ناضجاَ وخارق الذكاء،
قادراً على اتخاذ قراراته وتوجيه حياته. ولكن هل الطفل حكيم؟ نعم في بعض الأحيان ينبغي أن نوافق على أنه كذلك.
قالت مليسا التي لم تحتفل بعد بعيد ميلادها الرابع لأمها: «ماما أتعرفين أنك عندما تصرخين في وجهي، يتأذى قلبي»،
وقال سام ابن الثالثة عشرة لأمه التي تلح على التحكم بحياته: «اسمعي يا أمي. تصوري أنني بناية وأنك قد وضعت أساساتها
والآن بات عليّ أن أبني ما تبقى من بناء حياتي»
هل الأولاد أذكياء؟ نعم، قد يكونون أذكياء جداً وعندما يكونون صغاراً غالباً ما تفاجئنا أجوبتهم الذكية.
حاول بول ابن السنتين والنصف أن ينتعل حذاءه ولكنه مني بالإحباط فطلب من أمه المساعدة. فقالت له أمه تشجعه على
الاستقلالية: «حاول مرة أخرى. حاول مرة أخرى يا بول». في وقت لاحق تسلق الصبي السياج ولكن حافة السياج
كانت بعيدة عن متناوله فطلب من أمه المساعدة. فقالت له: «حاول مرة أخرى يا بول. حاول مرة أخرى».
في ساعات الصباح الباكر نادى بول أمه طالباً منها أن تجلب قنينة الحليب فقالت له إنها لا تستطيع وإن عليه أن يعود إلى النوم.
فصرخ بول فيها: «حاولي مرة أخرى يا أمي. حاولي مرة أخرى»
ذكي! نعم ذكي جداً ولكن هل الذكاء يعني النضوج؟ هنا بيت القصيد وسبب التشوش. قد يكون الأولاد أذكياء جداً بحيث يفاجئوننا أحياناً
بملاحظاتهم الذكية ولكن ذلك لا يعني أنهم قادرون على إدارة حياتهم أو أنهم يملكون النضج المطلوب لاتخاذ القرارات.
النضج هو نتاج الخبرة وبمعنى آخر: النضج هو نتيجة الربط ما بين السبب والنتيجة إضافة إلى القدرة على التذكر.
والحقيقة أن الطفل لا يملك القدرة على ربط الأمور ببعضها بعضاً وعلاوة على ذلك، كيف له أن يتذكر أوضاعاً لم يعشها بعد؟
عندما نحاول تعجيل النضج عند الطفل فسنشعر بالإحباط فنحن نعتقد أننا إذا شرحنا له الأمور بإسهاب كونه ذكياً جداً فسيفهم عواقب أفعاله.
ولكن بعدما نشرح ونشرح، سنشعر بخيبة الأمل لأنه ما يزال يتخذ الخيارات الخاطئة.
الواقع أن شرحنا شيئاً للطفل، مهما كان ذكاؤه،
لايعني بالضرورة أنه سيفهم ما يقال.
قد يتبع المنطق إنما بدون فهم فعلي للحقيقة فالفهم إنما يأتي مع النضج.
أما قراراته فقائمة على رغبات آنية لا على حكم عقلي.
أراد جوليان تناول علبة آيس كريم أخرى فشرحت له أمه بصبر: «ستؤلمك بطنك» فصرخ جوليان:
«أريد واحداً آخر»، فقامت الأم بشراء ما طلبه خشية من نوبة غضبه ومن نظرات الناس المستنكرة.
أثناء العودة إلى البيت أخذ جوليان يشتكي من وجع بطنه. فردت أمه: «لقد قلت لك. كم مرة حذرتك ولكنك عنيد».
حينما نسمح للشخص باتباع هواه ثم نقول له عندما نرى عاقبة عمله: «ألم أقل لك» فإننا بذلك نذر الملح على الجرح.
الظلم الكبير وقع عندما تركنا القرار للطفل وبعد ذلك رحنا نوبخه ونعاقبه.
الواقع أن مسؤولية الخطأ أو قلة القدرة على الحكم لا تقع على الطفل بل علينا نحن لأننا تصوّرنا أنه سيتصرف بنضج
شخص راشد فيما هو في الواقع غير جاهز للقيام
التعليقات مغلقة.