الحقيقة المخيفة وراء صورة السيلفي مع الأسد
جيسّ موراي
كنتُ أرتجف بخوف في علبة على شكل قفص فاشتدّت أمعائي وانقبض قلبي… علِمتُ على الفور أنني في مكان سيّء وأردتُ بشدّة أن أفرّ منه بسرعة لأجد الراحة مع أصدقائي المختبئين في السيّارة.
ولكن ثمّة شيء أقوى قال لي أن أستمرّ، شيء قال لي إني إذا تحمّلتُ ساعة أخرى في هذا المكان المريع قد أجد الأمل لتحقيق تغيير إيجابيّ لهذا الجحيم الذي أجدُ نفسي مسجونة فيه.
بعد ساعة من تحمُّل ألم التصوير السرّي المفجع، أمضَيت الساعة التالية أبكي وأرتعش بسبب ما رأيتُه. كنتُ في غاية الغضب والاستياء على حدّ سواء ولم أستطِع أن أقرِّر ما إذا كنت سأنهار عاطفيًا أم أسير عائدة إلى المبنى لكي أضرب الرجل على وجهه. وعندما اتّخذتُ القرار حاولتُ بكلّ قوّتي أن أحوّل تجربتي إلى أمرٍ إيجابيّ جدًا…وتوصّلتُ إلى هذا الاختبار.
نشرتُ هذه الصورة على منابر مواقع التواصل الإجتماعي قبل عودتي إلى إنكلترا. بعد دقائق من تحميل الصورة انهمر سيل الإعجابات والتعليقات على الفور تمامًا كما توقّعت.
جميع الناس يحبّون رؤية شبل صغير يحدّق بالكاميرا إضافة إلى وضع قدمه على كتفي وأنا أنظر إلى عينَيه الكبيرتَين بكلّ حب.
والآن أفترض من العدد الهائل من الإعجابات والتعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي أن ما لا تعرفونه هو أن هذه هي الصورة التي سترونها في غضون بضع سنوات لهذا الأسد المهيب.
بعد أن وقّعنا سجلّات الزوّار تحت أسماء وأرقام هويّات مزوّرة دخلتُ أنا وكاميرتي ومقدِّمي إلى ما تُسمّي نفسها Eco Park (حديقة حيوانات صديقة للبيئة) نتأمّل بعصبيّة ما قد نصادفه. لعِبتُ دور سائحة إنكليزيّة تزور أفريقيا للمرّة الأولى وأسعى لرؤية أسد حقيقي عن قُرب!
إحدى الحظائر التي أُخِذتُ إليها كانت تحتوي على ثلاثة أشبال. قيل لنا إنها سُلِبَت من أمها عندما بلغَت الأسبوع الثالث من العمر وأمهما موجودة في حظيرة أخرى بعيدة عن الأشبال التي تتغذّى من “تركيبة حليب اللّبوة”. المحزن في الأمر هو أن المرشد كان يجيب على أي سؤال أطرحه عليه…من دون التفكير بأن هناك خطأ في هذا الوضع… وهو يعلم جيّدًا أن كلّ شخص يدلّل هذه الأشبال المسكينة في حظيرتها يجعلها تعتاد على البشر أكثر فأكثر وبالتالي تخسر خوفها الغريزيّ والطبيعي من الإنسان.
للأسف هناك الكثير من الأماكن في جنوب أفريقيا مثل هذا – يدّعون بأنه مكان جيّد للحيوانات ويصدّق آلاف السوّاح ذلك. يجنون الملايين من خلال جذب السوّاح من كافّة أنحاء العالم الذين يأتون ليروا “الحيوانات البريّة” ويحملوها ويتفاعلوا معها. حاليًا تبقّى 2000 أسد فقط في براري جنوب أفريقيا بينما أكثر من 8000 أسد مأسور في الحظائر.
في حين ترَون أسدًا لطيفًا مسرورًا بأن يشارك في ثقافة السيلفي الحاليّة فإن مستقبل هذا الشبل هو في الصيد المُعَلّب. لذا في حين تحلمون بملامسة الأسود وحملها والتقاط سيلفي معها تمامًا مثل هذا الشبل اللطيف، أنتم تساهمون ببناء صناعة تحوي على ملايين الدولارات ناتجة عن رصاصة عالقة في دماغ هذا الأسد لتدخل مباشرة إليكم.
في حال لم تكُن عبارة “الصيد المعلَّب” مألوفة لديكم، لنأخذ على سبيل المثال الأسد الموجود في صورة السيلفي التي التقطتُها ولنسمّيه ليو.
عندما يصل ليو إلى عمر يكون فيه كبيراً جدًا على التدليل سيُؤخَذ ليمشي مع السوّاح الذي يدفعون مبالغ طائلة من أجل هذا “الإمتياز”. عندما يبلغ ليو سنتَين من العمر سيصبح كبيرًا/خطيرًا جدًا ليتفاعل مع الناس عن قُرب على الرغم من أنه معتاد جدًا على فكرة البشر بعد التفاعل مع المئات منهم كلّ أسبوع.
ثم سيُترَك ليو في حظيرة إلى أن يصبح في حوالى السنة السادسة من العمر أي حين يصبح مظهره أكثر إثارة للإعجاب، عندما يسافر صائد جوائز إلى جنوب أفريقيا ويدفع 38000 دولار ليوجّه بندقّيته إلى ليو وهو جالس بأمان في مركبة يرافقه مرشدون لحمايته.
سيضعون اللحم لليو لكي يعرف الصائد أين يجده بالتحديد. وبما أنّ ليو محاط بالبشر منذ سلبه من أمّه في الأسبوع الثاني من العمر إذًا لا داعي لأن يخاف من الصائد.
والآن بعد أن استقرَّت الرصاصة في رأس ليو سيلتقط الصياد سيلفي بالقرب من جائزته… يا له من صياد شجاع.
ما هي الموهبة في إطلاق النار على هدف تعلمون أنه سيبقى ضمن بضعة الأمتار المربّعة التي وضعتموها ليبقى فيها؟
ها هي الحقيقة المرّة والصريحة.
وفي حين قد تغامرون لكي تقصدوا هذه الأماكن وقد تظنّون أنها تخدم المحافظة على البيئة بسبب وضع هذه الحيوانات الكبيرة في هذه الأماكن، إعلموا أن هذه الحيوانات تعاني الأمرَّين – جسديًا بسبب سوء التغذية وظروف الحياة الرديئة وذهنيًا بعد سلبها من أمّاتها في عمر صغير جدًا.
تلك الفظائع التي رأيتُها أثناء تصويري السرّي من ضمنها وضع الضِباع في الأقفاص مع الأسود “لرؤية ما إذا كانت ستتآلف مع بعضها”، اختبرتُ محاولة هجوم من شبل نِمر قيل لي إنه “يلعب” إذ كادَ يغرز مخالبه فيّ.
هل هذه هي المحافظة على البيئة؟ هل هذا صحيح؟
كلّ ما أطلبه هو مشاركة هذه الرسالة لكي يكبر أطفالنا وهم يعرفون جمال ملك الأدغال الطبيعي والشرعي.
معلومات عن الكاتبة:
جيس موراي مخرجة أفلام عن الحياة البرّيّة ومدوِّنة إلكترونيّة حول الحفاظ على البيئة. عادَت مؤخّرًا من دراسة الحياة البرّيّة وحماية البيئة في جنوب أفريقيا وهي تسعى الآن لنشر التوعية حول الحقيقة المخبّأة وراء المحميات المزيّفة التي تدّعي حماية البيئة المنتشرة في جميع أنحاء العالم. إذا كان لديكم أي سؤال حول هذا المقال يمكنكم أن تتواصلوا مع جيس على صفحتها على الفيسبوك عبر هذا الموقع.
التعليقات مغلقة.