رسالة مفتوحة منّ أم طفل متوحد إلى المرأة الّتي دمّرت سعادتها
عزيزتي المرأة الّتي جلست أمامي في المطعم وحكمت عليّ بالإعدام،
من المحتمل أنّك لا تتذكّرينني أو تتذكّرين عائلتي. حكمك كان سريعاً جدّاً ومتواضعاً. “لن ندع أولادنا يلعبون أبداً بالألعاب الإلكترونيّة أثناء جلوسنا أمام الطّعام، لن ندعهم أن يكونوا بهذا السّوء.” هكذا أعلنتِ لزوجك بينما كنت تنظرين إلى ناحيتنا وتهزّين برأسك. وهذا ما قلته. لن تدعي أولادك المستقبلين والافتراضيّين يصبحون غير مبالين ووقحين كأولادي. أنا متأكّدة أنّك أكملت يومك دون التّفكير مجدّداً بالولد الّذي رأيته أثناء تناولك الغداء.
أتفهّمك. أعترف أنّني قلت أشياء شبيهة في الماضي، حين كان لديّ أولاد مستقبلين وافتراضيّين أيضاً. حين لم يكن لديّ حاضر، أو أولاد حقيقيّين. حين لم أكن أدرك أنّ واحداً من هذه الأولاد كان مختلفاً عن الأولاد الآخرين الّذين في عمره. قبل أن يذكر لي الطّبيب الكلمة الكبيرة والمخيفة والتّي تبدأ بحرف التّاء.
ألا ترين؟ من السّهل إصدار الأحكام إن لم تكوني في هذه الحالة، لأنّ كل ما ترينه هو طفل جالسٌ أمام الطّعام وفي يده لعبة إلكترونيّة. ولكن هذا ليس ما أراه أنا، أمّ الطّفل المتوحّد الجالس أمام الطّعام متجاهلاً عائلته.
ترين طفلاً ومعه لعبة إلكترونيّة. أماّ أنا، فأرى طفلاً كان يدور حول السّتائر صباحاً، كما يفعل كثيراً، ليتجنّب ارتداء الثّياب. هذا الطّفل يحبّ أن يبقى عارياً. يرى أن الثّياب غير مريحة أبداً وضيّقة جدّاً، حتّى وإن كانت أكبر من قياسه بمرّتين. ارتداء كنزة مصنوعة من قطن ناعم أشبه بارتداء جاكيت سميكة بالنّسبة له. أنت ترين طفلاً معه لعبة إلكترونيّة، وأنا أرى طفلاً تحدّى أفكاره وارتدى الثّياب.
ترين طفلاً يتجاهل عائلته ويلعب على آلاته الإلكترونيّة. أمّا أنا، فأرى طفلاً جرّته أمٌه هذا الصّباح إلى الحديقة العامّة لالتقاط صورة عائليّة ورفض أن يشاركنا الصّورة. في نفس الوقت الّذي كنّا نستعد لالتقاط الصّورة، وجد هذا الطّفل مقعداً طويلاً مصنوعاً من جذع شجرة يستطيع تسلّقه حتّى يقفز عنه مكرّراً حركته مراراً ومراراً، آملاً أن يكون الوقوع عن الشّجرة الحل الّذي ينسيه كنزته الضّيّقة. إجباره على أن يجلس بثبات، وينظر إلى الكاميرا مباشرة، شيئان لا يجدهما مريحين أو مشوّقين. ولكنه فعلها ! أنت ترين طفلاً يتجاهل عائلته ويلعب على آلته الإلكترونيّة، أنا أرى طفلاً كان متعاوناً في التقاط صورة العائلة لمدّة ساعة كاملة.
ترين طفلاً يتجاهل طعامه ويشاهد الفيديو . أمّا أنا. فأرى طفلاً انتظر طعامه لمدّة ثلاثين دقيقة بصبر وهو جالسٌ أمام طاولة وعلى كرسي ضيّق، ليتفاجأ أنّه لا يستطيع تناوله لأنّ الطّعام الّذي في صحنه هو نوع آخر من الهوت دوغ لم يره في حياته. هل يستطيع أكله؟ طبعاً. هل طعمه مختلف؟ أبداً. لكنّه شيء جديد، ومخيف، وقد يكون طعمه غريباً. لذا لن يأكله. سيبقى جائعاً إلى أن يرجع إلى منزله حيث يجد أطعمة لها طعم وشكل ورائحة شبيهة بما يعرفه. أنت ترين طفلاً لا يأكل، أنا أرى طفلاً جائعاً منتظراً العودة إلى المنزل كي يأكل.
ترين طفلاً يتجاهل جميع النشاطات الاجتماعيّة من حوله. أمّا أنا، فأرى طفلاً يحاول قدر الإمكان أن يجلس هادئاً دون أن ينهار. إحدى هذه الأشياء الّتي مرّ بها اليوم قد تحوّل نهار هذا الطّفل المسكين إلى نهارٍ سيّءٍ جدّاً، فماذا إن لم يستطع تحمّل جميع ما حدث معه اليوم؟ كان لينهار تماماً. ولكنه لم يفعل هذا. حاول الجلوس هادئاً دون أن يسبّب المتاعب. هل تعلمين لماذا؟ لأنّ الشّخصيّات الملوّنة الّتي يراها على الآيباد ويركّز عليها كثيراً تخفّف من وطأة ضيق عالمه وضجيجه. تخفّف من وطأة ضيق كنزته الّني تخنقه، تخفّف من وطأة صوت معدته الجائعة، والّتي من المحتمل أنّك سمعتها أيضاً.
أنت ترين طفلاً يتجاهل جميع الأشياء حوله. أنا أرى هذا الشّيء مثلك، ولكني أرى أيضاً كل المتاعب الّتي مرّ بها هذا الصّباح، لهذا فإنّه من المقبول أن يتناسى ألمه ويركّز على الشّاشة الصّغيرة أمامه أثناء تناول عائلته الغداء.
لهذا، عزيزتي المرأة، في المرّة القادمة الّتي ترين فيها طفلاً يلعب ألعابه الإلكترونيّة أثناء وجبة عائليّة، حتى لو كان أولادك المستقبليّين والإفتراضيّين مثاليّين، فإن من حق هذا الطّفل أن يتشبّه بالطّفل الخارق لأنّه لم ينهر قط، ومشاهدة الآيباد هو الشّيء الوحيد الذّي يمنعه من ذلك.
بكل إخلاص،
أمّ الطّفل الفخورة.
التعليقات مغلقة.