اكتشف بنفسك
جاءت لاستشارتي امرأة يمكن تلخيص مشكلتها باختصار كالتالي: أختها مليئة بالعيوب والنواقص، بينما هي مليئة بالفضائل والمناقب. أختها تحصل على الأفضل دائماً بينما لا يبقى لها سوى الأسوأ. فكلفتها بمهمة تسجيل مناقب وفضائل أختها. وبعد عشر دقائق جاءت وقالت إنها لم تعثر لديها على أي مناقب وفضائل. ومع ذلك ذكرت عدداً من الصفات الإيجابية ولكنها قرأتها كأنها تعدد العيوب لا الفضائل. وإلى جانب ذلك، قالت إنها سجلت عيوب أختها أيضاً. فسألتها غير مصدقٍ ما سمعته:”ماذا فعلتِ؟”. وبعد تأكدي أنها سجلت العيوب أيضاً، قلت لها أن تغادر، وأن حديثنا انتهى هنا. فعجزت عن فهم سبب طلبي منها المغادرة، وعندها اضطررت لأشرح لها حقيقة واضحة.
– لقد جئتِ طلباً لنصيحتي، لحل مشكلتك، وهذا يعني أنك تقدرين خبرتي وتثقين بي. فأعطيتك مهمة هي أن تعددي لي مناقب أختك، فقمت بتعداد عيوبها أيضاً. فلو أنني كنت بحاجة لتعددي لي عيوبها لقلت لك ذلك، ولكنني كلفتك بمهمة تعداد فضائلها، وهذا يعني أنك لا تسمعين ولا تستوعبين ما أقوله لك، فلديك حديثك الداخلي الخاص، وهذا يعني أنه لا وجود لصاحب هيبة ونفوذ بالنسبة لك، ولهذا أطردك فأنا عاجز عن مساعدتك.
فأخذت تعترض وتصر على أن أشرح لها ما الذي أخطأت في فعله، فقلت لها:” هل ترين؟ عوضاً عن أن تشكرينني على درسي لك وتغادري بتواضع وتفكري بما حدث، وبما قلته لك، تبقين مصرة على موقفك وتطالبينني بتفسير”.
لكنها عاندت ورفضت المغادرة. وعندها اضطررت أن أشرح لها ما كان عليها أن تكتشفه بنفسها، فلو أنها غادرت مباشرة ووثقت بي، لانكشفت أمامها الحقيقة. ولأجل ذلك طردتها، كي تجلس بهدوء وتفكر وتكتشف الأخطاء التي تكرر ارتكابها في حياتها. فالشيء الذي نكتشفه بأنفسنا يصبح لنا إلى الأبد، والشيء الذي يشرحونه لنا، لا سيما عندما نطالب بالشرح، لن يصبح لنا أبداً.
– إنني ثقة بالنسبة لك، ومعلم حسب تأكيدك. أنت تحترمينني وأنا أكلفك بمهمة تعداد مناقب أختك، فتقومين بتعداد عيوبها أيضاً. وهذا السلوك يعني أنك في حياتك تضيفين إلى كل كلمة تسمعينها في الخارج كلمة منك من داخلك. وتضيفين إلى كل نصيحة طيبة ينصحك بها الناس، تعليقاً سلبياً من داخلك. وتضيفين إلى كل إيجابية آتية من العالم الخارجي، سلبية آتية من عالمك الداخلي. وتضيفين إلى الإيجابي الذي ترسله لك الحياة، السلبي الآتي منك. ولن تخرجي أبداً من مشكلتك إلى أن تري ما تفعلينه.
لقد أعطيتها فرصة لتكتشف بنفسها ما كُتب لها اكتشافه، ولكنها فضلت سماع ذلك بنفسها واستاءت وغادرت بلا شيء.
إن الشيء الذي تكتشفه بنفسك يصبح ملكاً لك. أما الشيء الذي تسمعه من شخص آخر فغالباً ما يغادرك.