شهدنا بفضل الإجراءات الحديثة المعتمدة لتعزيز الصحة العامة والنظافة انخفاضاً في معدلات العديد من الأمراض والمشاكل الصحية.
لكن الإكثار من هذه الإجراءات لا يخلو من المشاكل لسوء الحظ.
إن معدل حياة العاملين في الحدائق أطول (إحصائياً) وقد تبيّن أن التراب في حدّ ذاته يمكن أن يلعب دوراً في ذلك:
المشكلة:
لدينا اليوم صابون ورذاذ ومحارم رطبة مضادة للبكتيريا فضلاً عن مجموعة كبيرة من منتجات التنظيف المعقّمة والمضادة للجراثيم.
يتربى الأولاد ويكبرون في محيط نظيف ومعقّم وخالٍ من الجراثيم. ونذهب إلى البعيد في حرصنا على أن نحمي أنفسنا من الجراثيم.
لكننا نشهد في الوقت نفسه ارتفاعاً في معدلات الحساسية ومشاكل المناعة الذاتية واضطرابات المعدة والأمعاء (لاسيما عند الأطفال).
هل من علاقة؟
يجيب بعض الباحثين بنعم… في الواقع،
يقول بعض الباحثين إن الاستخدام الواسع لمنتجات التعقيم ومضادات البكتيريا (والتخلص من التراب وتجنّبه)
يحول دون تشكّل البكتيريا المفيدة في الأمعاء وأن استعادة هذه البكتيريا المفيدة يمكن أن يشكّل المفتاح لتعزيز جهاز المناعة
وخفض معدلات الحساسية أو مشاكل الهضم وحتى تحسين المزاج.
إذن، أين نجد هذه البكتيريا الصحية وكيف يمكن أن نستفيد منها؟
تُعدّ المأكولات والمكملات الغذائية الغنية بالبروبيوتيك بداية جيدة لكنها تفتقد إلى عامل هام:
الكائنات الحيّة المتأتية من التراب (SBO).
تملك هذه الكائنات الحيّة أنواعاً أقوى من البكتيريا المفيدة التي يمكنها أن تجتاز الجهاز الهضمي بسلام وتقدّم بعض الفوائد.
يمكن للمأكولات المخمّرة والمكملات من البروبيوتيك أن تكون مفيدة جداً أيضاً لكن بعض هذه الأنواع لا يبقى حياً بعد مروره في الجهاز الهضمي.
والكائنات الحيّة المتأتية من التراب هي كائنات مجهرية نجدها في التراب تماماً كما يشير اسمها.
ولعقود، عرف العديد من الحضارات الفوائد الصحيّة للتراب وثمة مقولة قديمة “عليك أن تأكل الكثير من التراب قبل أن تموت.
” ويبدو أن ثمة حكمة في هذه المقولة القديمة…
“في الدراسات المتعلقة بفرضية النظافة، وجد الباحثون أن الكائنات الحيّة كملايين البكتيريا والفيروسات والدود خصوصاً التي تدخل إلى الجسم مع التراب تحثّ تطوّر جهاز مناعة صحي وقوي.
ويشير العديد من الدراسات المستمرة إلى أن الدود يمكن أن يساعد في إعادة توجيه جهاز مناعة انحرف عن عمله الطبيعي ما
أدى إلى اضطرابات في المناعة الذاتية، وإلى حساسيات وربو.
يبدو أنّ هذه الدراسات والملاحظات المرتبطة بعلم الأوبئة تفسّر لما ارتفعت نسبة أمراض الجهاز المناعي كتصلب الشرايين
والسكري من النوع 1 والتهاب الأمعاء والربو والحساسية على أنواعها بشكل كبير في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتطورة.”
عندما تحدثت عن تجربتنا مع بروتوكول GAPS، علمنا منذ فترة طويلة أنّ ثمة علاقة ما بين صحة الاحشاء والصحة العقلية،
وقد تبيّن أن بعض الكائنات الحيّة الموجودة في التربة تلعب دوراً هاماً هنا:
“اكتشفت ماري أوبراين وهي أخصائية في علم الأورام هذه النتائج بالصدفة فيما هي تلقّح مرضى سرطان الرئة بنوع من M. vaccae لترى ما إذا كانت أعراضهم ستتحسّن.
لاحظت أنّ المرضى سجلوا تحسّناً في الصحة العاطفية والحيوية وحتى في الوظائف الإدراكية فضلاً عن تراجع نسبة أعراض السرطان.”
وتحدّثت هاذر عن منافع هذه الأنواع من الكائنات الحيّة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الهضم أو القولون العصبي:
“وجد الباحثون في هذه الدراسة المراقبة أنّ مرضى القولون العصبي الذين تناولوا بروبيوتيك مستخرجة من التربة سجلوا تراجعاً ملفتاً في الأعراض بعد أسبوعين.
ووجدت دراسة متابعة أن المرضى لا يزالون ينعمون بهذه الفوائد بعد مرور عام على توقّفهم عن تناول البروبيوتيك،
ويُفترض أن ذلك يعود إلى أن البكتيريا تبقى في الأمعاء وتستمر في أداء وظيفتها.”
لماذا التراب مهم للأطفال؟
إذن، ما معنى هذا بالنسبة إلى أولادنا؟
يعني أنّ كل التنظيف والتعقيم والتطهير يمكن في بعض الأحيان أن يضر أكثر مما يفيد.
يميل الأطفال بشكل طبيعي إلى اللعب بالتراب وإلى وضع أشياء قذرة في أفواههم ما يثير كدر أمهاتهم (وزوجي!).
إنما يبدو أن لهذا الميل هدفاً هاماً وهو تنمية جهاز المناعة وتقويته.
كتبت ماري روبوش Mary Ruebush، وهي معلمة علم إحياء مجهري ومناعة، في كتابها Why Dirt is Good:
“ما يفعله الطفل حين يضع أشياءً قذرة في فمه هو السماح لرد فعله المناعي بأن يستكشف محيطه.
ولا يسمح هذا “بممارسة” ردود الفعل المناعية الضرورية للحماية وحسب بل يلعب أيضاً دوراً حساساً وهاماً في تعليم رد الفعل المناعي غير الناضج ما يُفضّل تجاهله.”
بعد أن وجدت إحدى الدراسات أن الأولاد الذين يترعرعون في مزرعة أو مع وجود كلب في المنزل يعانون من الحساسية أقل من سواهم،
بدأت الأبحاث تستكشف أهمية الكائنات الحيّة الموجودة في هذه البيئة الأقل نظافة وكيفية تأثيرها على الصحة.
في إحدى المقابلات، قال الدكتور Joel V. Weinstock وهو أحد الباحثين البارزين ومدير مركز Tufts الطبي لأمراض المعدة والأمعاء
وأمراض الكبد، إنّ جهاز المناعة عند الولادة “أشبه بجهاز كمبيوتر غير مبرمج. وهو يحتاج بالتالي إلى تعليمات وإرشادات.”
وأضاف أن إجراءات الصحة العامة مثل تنظيف المياه والمأكولات الملوثة أنقذ حياة عدد لا يُحصى من الأطفال،
“لكنه حال في الوقت نفسه من تعرضّهم للعديد من الكائنات الحيّة المفيدة لهم على الأرجح.”
وتابع قائلاً إنّ “الأطفال الذين يتربون في بيئة فائقة النظافة لا يتعرضون للكائنات الحية التي تساعدهم على تنمية وتطوير دوائر المناعة المناسبة.”
وتشير الدراسات التي أجراها مع الدكتور دايفيد اليوت، وهو أخصائي أمراض معدة وأمعاء وأخصائي مناعة في جامعة ايوا،
إلى أنّ دود الأمعاء الذي تم القضاء عليه في الدول المتطورة هو “على الأرجح اللاعب الأبرز” في تنظيم جهاز المناعة كي يقوم برد الفعل المناسب.
وأشار الدكتور اليوت أيضاً إلى أنّ الالتهابات الناجمة عن بكتيريا وفيروسات تؤثر على ما يبدو بالطريقة نفسها في جهاز المناعة، إنما ليس بالفاعلية نفسها.
وفي عددها الصادر في حزيران 2012، نشرت مجلة The Journal of Allergy and Clinical Immunology دراسة أظهرت أن أطفال
طائفة الآميش الذين يترعرعون في المزارع في شمال أنديانا يسجلون معدلات متدنية جداً من الحساسية مقارنة مع السكان
الذين لا يكبرون في المزارع (5.2% لسكان أنديانا من الآميش، 11.3 من سكان سويسرا من غير المزارعين). ويُعرف هذا باسم
“تأثير المزرعة” وقد تم تسجيله لدى سكان المزارع في أميركا الشمالية وأوروبا، مع انخفاض بنسبة 50% في ظهور الحساسية
لدى أطفال المزارع.
في الولايات المتحدة، وجد المسح الثالث للصحة الوطنية والدراسة الغذائية أنّ 54.3% من السكان الذين شملتهم الدراسة تظهر عليهم الحساسية على شيء واحد على الأقل.
وتُظهر دراسة حديثة أن طائفة الاميش تسجّل نسبة أقل من الإصابات بالربو والحساسية مقارنة من السكان الذين لا يعيشون في مزارع.
أضف إلى ذلك نتائج دراسة نشرتها مجلة American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine في العام 2007
وتُظهر أن استخدام الرذاذ المنظّف 4 مرات في الأسبوع يتسبب بارتفاع نسبة الإصابة بالربو ويمكنك أن تبدأ برؤية المشكلة.
أما الرذاذ الذي يتسبب في ارتفاع نسبة الإصابة بالربو فهو ذاك المستخدم لتنظيف الزجاج والأثاث ولتعطير الجو.”