لن أتكلم أبداً، أبداً مع أطفالي بهذا الشكل….


البارحة عندما كنت على البحر، جلست على مقعد قريب من أم وابنها. كانت الأم تحاول تعليمه درساً ما بطريقة مملة مرهقة.

وكان الأمر يجري على الشكل التالي:

– أمي بطني تؤلمني
– غلطة من هذه؟ قلت لك ألا تأكل كثيراً. أنت لا تعرف الحدود وها أنت الآن منتفخ البطن. أنا أكلت بالشكل الصحيح ولكن ماذا عنك؟ لماذا أفرطت في الأكل؟ لقد غسلت السراويل البارحة والآن علي أن أغسلها من جديد. هيا انهض.. لقد وصل القطار…. من سيحمل أمتعتك ؟ أنت دائماً تترك أغراضك في كل مكان.

التفتت الطفل حوله وراح يلتقط الأغراض ثم دخل إلى القطار….الحقيقة أن هذا الحوار أزعجني لسببين. أولاً لأني سمعت كلاماً كهذا وأنا صغيرة..

ثانياً، لأني أتكلم بهذا الشكل مع أطفالي عندما أكون منزعجة ومتعبة .

لقد رغبت في الجلوس قرب الطفل ووضع يدي عليه كي أضمه إلى صدري بشدة ومن ثم أقول له:”لا تصغ إليها. أنت مجرد طفل…لا تعرف كم هي حصتك من الطعام في هذا العمر.. وأنت لست بعمر يخولك أن تكون مسؤولاً عن شيء كهذا. على أمك أن تعتني بهذا الأمر…

ولا بأس في أن تتسخ ثيابك … فأنت صبي صغير.. وليس من الغرابة أبداً أن تتسخ وكأنك كنت تعمل في منجم فحم…

ولا بأس أن تنسى أغراضك طوال الوقت لا سيما عندما يصبح الوقت ليلاً وتشعر بالتعب” .

ولكني بدل ذلك جلست في الجهة المقابلة للعائلة الصغيرة. أغلقت عيني وشعرت أني على وشك أن أبكي.

للحظات كان صوت أمي يعلو داخل رأسي:”ماذا؟ كسرت ذراعك؟ لا أصدق أنك فعلت ذلك”.

عندما كبرت تعلمت أن أقف على قدمي وحدي… ولم أعد أسمح لأحد بالتحدث إلي بتلك الطريقة…

وحتى أشفى من التأثيرات السلبية، احتجت مدة سنة إلى جلسات نفسية.. لقد أعدت بناء حدودي الشخصية…وأعدت بناء احترام الذات الذي تدمر وتعلمت أن أتقبل نفسي..

ومع أني فعلت كل ذلك، مازالت تلك الأصوات في رأسي.. فكلما شعرت بالتعب أو الانزعاج تعود تلك الأصوات إلى رأسي.

أنا أعيش وحدي في جزء آخر من العالم. هناك بيني وبين أمي 8000 كلم.. ونادراً ما نرى بعضنا أو نتكلم مع بعضنا على الهاتف.

إنها الأن أفضل في التكلم على الهاتف فقد تعلمت أن تحتفظ بآرائها عني لنفسها.

لا بل هي حتى تعلمت أن ترسل لي عبر الهاتف كلمة:”أحبك”.

إن ذلك غريب لأن الأمور كانت قبل سنتين فقط مختلفة كل الاختلاف.

فقد كانت تتصل بي بعد أي مقابلة تلفزيونية تُجرى معي كوني اختصاصية تغذية وتسألني :” متى ستجدين وظيفة فعلية؟”.

إن ذكريات الطفولة تعود إلي حية كلما قضيت يوماً معها. وهذا آت من طفولتها، فأمها أعطتها 5000 بالمئة مما أحصل عليه من أمي.

لطالما قلت لنفسي إني لن أتكلم مع أطفالي بهذا الشكل ولكن المؤسف أن عقلي يفبرك نفس الجمل في كل مرة أكون فيها مرهقة متعبة غاضبة.
الحقيقة أني لم أعد منزعجة لأنها لم تقل لي قبل 30 سنة “ابنتي الحلوة” أو “عزيزتي” ..

فليس سهلاً أن تستعمل software جديداً مع العمر. ولم يتبق أمامي إلا أن أتعاطف معها ومع أمها التي كانت طفولتها أسوأ حتى.

حب أسلافي هو الشيء الوحيد المتبقي أمامي .. ويمكنني أيضاً أن أحب ابني بدون شرط أو قيد.. فهذا الباطون قد تكسر.
أنا أقول له إنني آسفة بعد وقوع حوادث كهذه، وأشرح له لماذا أفعل ذلك وأنا أخبره كل يوم عشرات المرات أني أحبه بدون قيد أو شرط وأعطيه الوعود بأني المسؤولة عنه وهو يكبر.

أنا أفعل أي شيء حتى تخبره الأصوات التي يسمعها في عقله بأن من حقه أن يعيش وبأن من حقه أن يشعر

بأنه شخص محبوب … فليس عليه أن يعمل من أجل أي شيء.. فهو شخص ذكي ووسيم وموهوب. وهو يمتلك قلباً كبيراً وسيصبح يوماً رجلاً عظيماً.
أنا أعرف ان هذه القصة تنطبق على عدد كبير من الناس.. فنحن تاريخياً لا نشعر كثيراً باحترام الذات ..

ولا شيء سيتغير ما دمنا لا نعمل على أن نحب أنفسنا. ولن نتخذ خيارات صائبة ..وسيكون بيننا وبين جيراننا حروب وسرقة وكذب و…

ليس لدي في الحقيقة إجابة عن هذه الأسئلة ..

ولا أعرف كيف أساعد الناس الذين تخبرهم الأصوات أنهم ليسوا أكثر من حمير، أغبياء… الحل الوحيد لخفض هذه الأصوات ليس بالصراخ على الأطفال أو بكره أي شخص آخر.

ينبغي على كل شخص أن يبدأ بنفسه: يمكنه أن يختار شيئاً من مجموعة من الأشياء ..

هذه الأشياء تتضمن التأمل، اليوغا والصلاة. أحبّ عائلتك .. ستكون قادراً على تطبيق تقنياتك على جيرانك ورفاقك وعلى الناس بشكل عام عندما تتقنها.

وعندما تستمر بالعمل تتقنها.. وعندما تعمل دائماً على نفسك ستشعر بأنك لا ترغب في تغيير الآخرين .

أنا بحاجة للعمل على نفسي وعليّ أن أحترمها… وحالما يشعر الشخص بذلك ستكون خياراته صادقة وطريقه نظيفاً.
المعالجة النفسية واختصاصية التغذية Olga Karchevskaya

اختصاصية تغذيةالمصطلحات الخاطئة والاطفالخيارات صائبةذكريات الطفولةمشاعر الاطفالوظيفة فعلية