كلمة حساسية تعني ” طريقة عمل مغايرة”. وقد بدأت تستعمل في بداية القرن العشرين بعد أن تمّ تلقيح كلاب ببروتينات مأخوذة من حيوانات أخرى فأظهرت الكلاب ردود فعل حادة عند تعرضها مجدداً لتلك البروتينات. وقد كانت ردود الفعل هذه خطرة وأحياناً قاتلة.
الحساسية هي رد فعل يظهره جهاز المناعة على نوع معين من الطعام أو الروائح أو المواد الكيميائية. بكلام آخر، الحساسية هي رد فعل يؤثر في جهاز المناعة. يمكن للتحسس أن يشمل أنواعاً أخرى من ردود الفعل لا تعتبر حساسيات، والتي لم تحدد حتى الآن أسبابها. من وجهة نظر طبية تقليدية لا تعتبر بعض التحسسات حساسيات فعلية. ولكن بما أن التعبير الشعبي يشير إلى التحسس والحساسية بمعنى واحد فإنني سأستخدم الكلمتين معاً وبالمعنى نفسه في سياق هذا النص. وفقاً للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية ) NIAID ( ينفق المصابون بالحساسية ما يزيد عن 5 مليارات دولار سنوياً على الاستشارات الطبية، والحقن المضادة للحساسية والأدوية.
الكثير من الحالات الصحية مرتبطة بالحساسية، منها حب الشباب والربو والتهاب المفاصل الروماتيزمي واضطراب نقص الانتباه والتركيز ADD، والتهاب المثانة.
نوبة الحساسية
إن حصول رد فعل تحسسي على أي مادة يعني أن جهاز المناعة فقد سيطرته على نفسه. فإضافة إلى مهاجمة أعدائه الفعليين، مثل الفيروسات والبكتيريا، يصدر عن جهاز مناعة الشخص المصاب بالحساسية رد مناعي عند وجود مولّد حساسية معيّن فينتج كمية من فئة معينة من الأجسام المضادة التي تدعى غلوبلين مناعي من نوع E Immunoglobulin E) أوIgE). تختلف جزيئات الغلوبلين المناعي E E بحسب نوع مولّد الحساسية ويمكنها أن تتصل بالمولد الذي سبب إنتاجها.
تنتقل جزئيات الغلوبلين المناعي E E في الدم وتلتصق بالمستقبلات الموجودة على سطح الخلايا البدينة mast cells وهي خلايا نجدها في معظم أنسجة الجسم وتنتج مادة الهستامين الكيميائية التي تتسبب بأعراض الحساسية التقليدية مثل تدميع العيون، والعطاس وازرقاق الجلد والطفح الجلدي. وتختلف الأجسام المضادة أي الغلوبلين المناعي E E وفقاً لنوع مولد الحساسية سواء أكان مادة اللاتكس أو وبر الحيوانات الأليفة أو غبار الطلع. عندما تلتصق جزئيات الغلوبلين المناعي E E الخاصة بمولد الحساسية بالخلايا البدينة يمكنها أن تبقى على هذا النحو لأسابيع لا بل لأشهر، جاهزة دائماً للالتصاق بمولد الحساسية الأصلي. وفي المرة التالية التي يدخل فيها مولد الحساسية الأصلي إلى الجسم يبدأ ظهور أعراض الحساسية، ما يؤدي مجدداً إلى إطلاق الهستامين من الخلايا البدينة. وقد تظهر تلك الأعراض في غضون دقائق أو خلال ساعة من التعرض لمصدر الحساسية.
يبدو أننا نتوارث الحساسية، لاسيما من أمهاتنا. ويعتقد أن هناك ثلاث جينات مسؤولة عن حدوث حالات الحساسية إلا أنه لم يتم التعرف إلا إلى واحدة منها. تنتج هذه الجينة ما يعرف بالإنترلوكين 4 (IL-4) وهو عامل نمو ضروري لانتاج الغلوبلين المناعي E E الذي بدوره يؤدي إلى ظهور حساسية. من المعلوم أن معظم اللكتينات الغذائية تسبب انتاج الإنترلوكين 4، الذي يشكل الدليل على وجود صلة ما بين الأشخاص الشديدي الحساسية وازدياد تحسسسهم على اللكتينات الغذائية.
تفترض إحدى النظريات أن نوبات الحساسية بمعظمها ردود فعل دفاعية من قبل جهاز المناعة بوجه مواد معينة غير مؤذية، يحسبها الجسم خطأ طفيليات مؤذية. وقد يكون ذلك صحيحاً، فقد تبين أن معدل الغلوبلين المناعي E E يرتفع كثيراً كرد فعل على الإصابة بعدوى طفيلية. وتعمل خلايا إيوزينوفيل الحمضية eosinophils (وهي خلايا تقتل الطفيليات كالديدان) بالاشتراك مع الغلوبلين المناعي E E. وهكذا فإن بعض الإشارات التقليدية التي تظهر على طفل يعاني من الطفيليات هي حكة الأنف وتدميع العيون وذلك نتيجة محاولة جهاز المناعة قتل الطفيليات عبر إطلاق كمية كافية من الغلوبلين المناعي E E، حتى يتعاطى معها جسم كأعراض حساسية.
تملك الأعراق غير البيضاء معدلات أعلى من الغلوبلين المناعي E E، كما يزيد معدله لدى الرجال أكثر من النساء. وغالباً ما يتدنى هذا المعدل مع التقدم بالعمر مما يفسر سبب تخلص البعض من أنواع الحساسية التي كانت تصيبهم أثناء الطفولة.
غالباً ما يكون لدى المصابين بأمراض جلدية وراثية ومنها الأكزيما استعداد وراثي للإصابة بحساسية مفرطة تجاه بعض المأكولات والمواد المستنشقة، تظهر من خلال فرط إفراز أجسام الغلوبلين المناعي E E. إن مولدات الحساسية هذه لا تؤذي من ليس لديه استعداد للإصابة بالحساسية. على الرغم من أن الحساسية على بعض أنواع الطعام بسبب الغلوبلين المناعي E E قد تساهم في ظهور أعراض التهاب الجلد لدى الأطفال والأولاد إلا أن لا علاقة لها بعوامل ظهور الحساسية لدى الأولاد الأكبر سناً والبالغين.
لوحظ ارتفاع كبير في حالات الحساسية للبروتينات المتحللة في الماء والموجودة في المنتجات التي تحتوي على مادة اللاتكس(مثل قفازات المطاط وحشوات الأسنان والواقي الذكري وأنابيب أجهزة التنفس والقساطر الطبية catheters والحقن الشرجية المزودة برباطات مطاطية) وتتفشى هذه الحالات بشكل خاص في أوساط العاملين في الحقل الطبي والمرضى المعرضين للمطاط والأطفال الذين يعانون من انشقاق العمود الفقري وانكشاف النخاع الشوكي spina bifida أو تشوهات خلقية في الجهاز البولي التناسلي.