كتبت هذه المقالة لأنني اكتفيت من سماع الناس يتخبطون في أمراضهم ومشاكلهم الصحية بدون أن يبحثوا عن وسيلة للشفاء بحجة أنهم ليسوا مسؤولين عن حالتهم الصحية…
بالفعل أسمع الناس يقولون غالباً :
” وزني زائد ولكن هذا ليس ذنبي، فهذا وراثي في العائلة ”
” في عائلتي، كل الناس لديهم مشاكل في القلب، لا أستطيع أن أفعل شيئاً لتجنب هذا ”
” أبي أصلع، وسأصبح مثله بالتأكيد ”
هؤلاء الأشخاص واقعون في فخ حتمية القضاء والقدر والشعور بالعجز تجاه صحتهم ومصيرهم. كأن هناك سيفاً مسلطاً على رقبتهم !
أنا أطمئنكم بقوة وبكل ثقة : لا يوجد في الصحة أشياء مثل الحتمية والعبثية !
المرض لا يسقط عليكم من زاوية الشارع بالصدفة. دعوني أقدّم لكم رأياً علمياً سيدهشكم بالتأكيد..
علم ما فوق الجينات epigenetics : علم سيغيّر حياتكم !
علم ما فوق الجينات هو الثورة الكبرى في العلوم البيولوجية في السنوات ال 5 الأخيرة ! تتوالى جوائز نوبل التي يقطفها هذا العلم والذي يشكل مفاجأة تقلب كل المفاهيم.
باختصار، علم ما فوق الجينات هو دراسة التغييرات في تعبير جيناتكم بحسب تأثيرات محيطكم بشكل مباشر.
ألم تفهموا ؟ سأشرح لكم :
يجب أن نعرف أن جيناتنا تشكل فقط 2% من الحمض النووي DNA.
نسمي هذا ترميز الحمض النووي DNA encoding، إنه هو المسؤول عن ما نحن عليه: جنسنا، لون عيوننا، شكل جسمنا، شخصيتنا، الخ.
وماذا عن ال 98% الباقي من ال DNA ؟
إنها ليست جينات. كان الباحثون يعتقدون أنها لا تنفع لشيء وكانوا يسمونها ” Junk DNA أو زبالة ال DNA “.
مع علم ما فوق الجينات، عرفنا أن هذه ال 98% من ال DNA “الزبالة” هي في الحقيقة مسؤولة مباشرة عن تعبير جيناتنا ( ال 2% المرمزة ). ونشاطها يتأثر مباشرة بما حولنا، بطريقة حياتنا وبعاداتنا !
هذا يفتح مجالاً للتفاعل وللإمكانيات بشكل واسع لا حد له !
عملياً، هذا يعني أن تعبير جيناتنا ( ما نحن عليه ) يتأثر مباشرة بالمحيط من حولنا :
• غذائنا
• نشاطنا الجسدي
• نمط حياتنا (توتر، نوم)
• محيطنا الاجتماعي
• مستوى رضانا عن حياتنا بشكل عام
” ما الذي يعنيه هذا ؟ “
> يعني أن الأمراض الوراثية هي نسبية جداً وطريقة حياتنا هي التي تحدد بشكل مباشر ما نحن عليه !
أعرض عليكم مثالاً صغيراً لتتصوروا الأمر :
في خلية نحل، تولد كل اليرقات وهي تحمل نفس الإرث الجيني. عندما تكون ما زالت في مرحلة اليرقات، بعض منها سيأكل الغذاء الملكي.
تلك التي تتناول الغذاء الملكي ستصبح ملكات والباقيات ستصبحن عاملات. في الأساس، تولد النحلات متساويات ولكن التحول يحدث بفضل الغذاء !
وهذا صحيح بالنسبة للبشر ! لنأخذ حالة توأمين حقيقيين :
فيكتور ومكسيم ليس لديهما نفس الاهتمامات. مكسيم يحب الحفلات، يسهر حتى ساعة متأخرة ويأكل الأطعمة السريعة كل اليوم. بينما فيكتور أكثر اعتدالاً : هو يحب أن يحافظ على صحته، يأكل بشكل صحي، نشيط جسدياً ولديه نظام حياة متوازن أكثر.
جيناتهما الوراثية هي نفسها تماماً، ولكننا ندرك سريعاً أن مكسيم سيصاب بالأمراض أكثر، سيشيخ بشكل أسرع، قد يصبح بديناً ويفقد نشاطه وحيويته.
بينما فيكتور سيبقى بكامل لياقته، سيحافظ على صحته مع جسم رشيق ذو عضلات على مدى حياته.
> نمتلك كلنا إمكانية وجود ” جينات السرطان ” في حمضنا النووي.
> نمتلك كلنا ” الجينات الإيجابية ” للصحة والحيوية والفرح، الخ.
إذن قولوا لي لماذا بعض الأشخاص ينشّطون هذه الجينات المؤذية ويمرضون بينما البعض الآخر يتمتعون بصحة ممتازة ؟
يجب أن نعلم أن ال 2% من الجينات لا تستخدم بكاملها. بعضها مغلق وغير مستعمل بينما البعض الآخر مفتوح وناشط. وكما رأينا فإن محيطنا هو الذي سيقرر أي جينات ستعبّر عن نفسها وأيها ستصمت !
> نحن نحدد صحتنا ومستقبلنا عن طريق نمط حياتنا الحالي !
” ما تقوله جميل ! ولكن عائلتي تتوارث نفس المشاكل الصحية من جيل لجيل وهذا لن يتغير ! قصتك عن علم ما فوق الجينات هو مجرد سخافات ! “
• هذا يؤكد صحة كلامي !
أنت تتشارك مع عائلتك نفس المشاكل لكنك تتشارك أيضاً معهم نفس الظروف، نفس العادات، نفس النظام الغذائي، نفس طريقة التعامل مع الأشياء.
من الطبيعي إذن أن الأمور تتكرر، والمشاكل تتكرر.
لنتخيل الآن أن هذا الشخص انتقل بعيداً، غيّر عاداته ونوعية الناس والأماكن الني يتردد عليها، وبدأ أخيراً بالأكل بشكل صحي وبممارسة القليل من النشاط الرياضي في حياته. من المؤكد أن مشاكله الصحية ستختفي مع الوقت.
لماذا ؟ لأنه غيّر محيطه وطريقة حياته !
بالتأكيد هناك مشاكل خطيرة من أصل وراثي (التشوهات الوراثية، الخ. ) لكن أغلبية الناس ليسوا معنيين بهذه المشاكل. انتبهوا، هذا لا يعني أن هؤلاء الأشخاص محكوم عليهم أن يعانوا كل حياتهم لأنه أصبح مؤكداً علمياً أننا نستطيع تحسين جيناتنا الوراثية إذا كانت خياراتنا جيدة فيما يتعلق بنظام حياتنا الصحي.
أكرر أن الحتمية والقدرية لا وجود لهما، نحن مسؤولون عن حالتنا الصحية، عن الإيجابي كما عن السلبي، لا تنتظروا أن تحدث الأمور وحدها، أوقفوا الأعذار وانتقلوا إلى الفعل لأنكم أسياد حياتكم ! لديكم الخيار، اختاروا ما تريدون أن يكون عليه مستقبلكم.
أتمنى أن تكونوا أحببتم هذا المقال الذي قدمناه لكم وأن يساعدكم على صنع نسخة أفضل من نفسكم لأن هذه القدرة في متناول يدكم !
ساعدونا في توعية الناس على هذا الموضوع الحديث تماماً والذي يفيدنا كلنا عن طريقة مشاركته مع كل معارفكم.
لا تخجلوا واتركوا رأيكم وانطباعكم في قسم التعليقات !