اقرؤوا معنا هذه القصة لتروا أن لا شيء يقف أمام أولادنا مهما كان وضعهم
ظهر جيل جديد من الأطفال مختلف عن الأجيال التي سبقته. وسواء أكان السبب هو السكر المكرر أم المواد الكيميائية التي تُضاف إلى المأكولات، إلا أن ثمة أمر مؤكد: الارتفاع الملفت في نسبة الإصابة بالتوحّد وقصور الانتباه وفرط الحركة. ومن دون السعي لفهم السبب الحقيقي الكامن خلف الموضوع، يتم تحويل الأطفال الذين يعانون من التوحّد (1 من أصل 88) إلى صفوف خاصة ونسيان أمرهم على اعتبار أنهم يعانون من نقص في النمو.
بعد هذا التشخيص، وقعت كريستين بارنيت، والدة جاكوب، في حيرة من أمرها ما بين حدسها الذي يدفعها لترك جاكوب “يستكشف العالم المليء بالسحر” أو الإصغاء إلى نصيحة الأساتذة والمعالجين الذين نصحوها بالعدول عن فكرة تعليم جاكوب ما هو أكثر من “المهارات الأساسية”. عانى جاكوب الذي تم تشخيص إصابته بالتوحّد المعتدل إلى الحاد وهو في سن الثانية، من نظام التعليم الخاص وانطوى على نفسه مع التعليم التقليدي. وبعد أن لاحظت “الأمور الرائعة” التي يحققها وحده خارج جلسات العلاج، كرسمه على الأرض خرائط دقيقة للشوارع بواسطة عيدان تنظيف الأذنين، أدركت والدته أنه لا يتلقى التعليم الذي يحتاجه. بالتالي، قررت أن تتولى تعليمه بنفسها.
وكتبت كريستين في سيرتها التي حملت عنوان “The Spark: A Mother’s
Story of Nurturing Genius”: “من المخيف بالنسبة للأم أن تسير عكس نصائح أهل الاختصاص، لكني كنت أعرف في قلبي أنني لو تركت جايك يتابع تعليمه في صفوف خاصة فسيُقضى عليه”.
اعتمدت كريستين مبدأ “الكثرة” فأحاطت أبناءها بما يحبون وتركت جاكوب يستكشف ما يرغب في استكشافه، كالنماذج والأشكال والنجوم.
وبرز ذكاؤه حين أخذته والدته ذات يوم ليتأمل النجوم. وبعد أشهر قليلة، زارا قاعة تحتوي على بلانيتاريوم (جهاز يُظهر حركات الشمس والقمر والكواكب السيّارة والنجوم عبر تسليط النور على داخل القبّة) حيث يلقي أحد الأساتذة محاضرة. وكلما طرح الأستاذ سؤالاً، ارتفعت يد جاكوب الصغيرة وراح يجيب عن الأسئلة… كان يفهم بسهولة النظريات المعقّدة بشأن الفيزياء وحركة الكواكب.
عزز جاكوب عملية تعليمه الخاصة فأصبح جاهزاً لدخول الجامعة وهو في سن الحادية عشرة. وها هو طالب دراسات عليا وهو في الخامسة عشرة من عمره وفي طريقه لنيل شهادة دكتوراه في فيزياء الكمّ. ويعمل جاكوب الذي يسجّل معدل ذكاء 170 (أعلى من معدل ذكاء اينشتاين) حالياً على نظريته الخاصة المتعلقة بالنسبية.
أذهل جاكوب الأساتذة في معهد برينستون للدراسات المتقدمة وكتب أستاذ الفيزياء الفلكية سكوت تريمان Scott Tremaine إلى العائلة رسالة جاء فيها “أنّ النظرية التي يعمل عليها تتضمن أصعب المعضلات في مجال الفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية، ومن يتمكّن من حلّها لا بد من يُرشّح لنيل جائزة نوبل”.
لا يزال جاكوب يمثّل مصدر إلهام كمدرّس للعديد من طلاب الجامعة في مواضيع كالحساب التفاضلي، وهو باحث علمي تُنشر أعماله كما أنه يدير مع عائلته مؤسسة خيرية تحمل اسم “بيت جاكوب من أجل أطفال على الطيف” وتعمل على زيادة الوعي وعلى تبديد الأوهام والأساطير بشأن التوحّد.
وقال في خطاب TEDx Teen بشأن “نسيان ما تعرفه” في مدينة نيويورك: “لا يُفترض بي أن أكون هنا أبداً. قيل لي كما تعلمون إنني لن أستطيع التكلّم. ولعل ثمة معالج يحضرني ويرى من هو الخائف الآن”.
وفي حين أنه يجعل الأمر يبدو سهلاً إلا أن والدته أسرّت بأنه اضطر لبذل الكثير من الجهد وبشكل يومي لمواجهة حالة التوحّد لديه. وصرّحت لمجلة انديانابوليس ستار في نيسان “إنه يتغلّب على التوحّد يومياً. إنه يعرف عن نفسه أموراً يعدّلها كل يوم.”
وسرعان ما اختطفت شركة أفلام Warner Bros قصة جاكوب وعائلته الملهمة بهدف مشاركة الجمهور هذه الرحلة الاستثنائية. ومن الجلي أنه سيستمر في البروز وسيساهم بشكل كبير في مجال العلم بعد أن كسر القالب الذي حاولوا أن يحدوه في داخله.
إنّ تحدّي إدراك القدرات غير الموجّهة مخفي خلف مصيدة الذهنية الغربية. ما من حدود لتفكير الإنسان، وكي نكبر ونحقق أكثر مما حققته الحضارات السابقة، لا بد للجميع من أن يتقبّل هذه الفكرة. ومن حسن الحظ أن جاكوب حرّك المياه الراكدة ليجعل هذا ممكناً.