فرضَت السلطات الأستراليّة غرامات كبيرة على شركة الأدوية Reckitt-Benckiser.
تلومها لأنها تبيع الإيبوبروفين (نيورفين) في علب مختلفة بألوان مختلفة محدِّدة:
– نيورفين لأوجاع الصداع النصفي
– نيورفين لصداع التوتّر (ألم الرأس)
– نيورفين لأوجاع الدورة الشهريّة
– نيورفين لوجع الظهر
تُباع هذه الأدوية المتخصّصة بسعر أغلى من النيورفين البسيط الأساسي. ولكن هذه العلب تحتوي على الكميّة نفسها من المادّة الكيميائيّة نفسها ليسين الإيبوبروفين.
أعلنَت الصحافة والسلطات ورابِطات المستهلكين “الخِدعة” “الفضيحة” “الغِش”. وحكمَت على شركة Reckitt-Benckiser بدفع الملايين للزبائن ودفع غرامات كبيرة بسبب الممارسات التجاريّة الخادعة.
لا شكّ في أنها كانت محِقّة على الصعيد الكيميائي. ولكنها مخطئة على الصعيد النفسي.
نعم إن عرض الأدوية مهم جدًا!
بالنسبة إلى العالم الذي يرتدي قميصًا أبيض وعينَاه تحدِّقان في البعيد يبدو أن بيع المنتج نفسه بغلافات مختلفة فضيحة.
ولكن بالنسبة إلى المريض الأمر مختلف: إن اسلوب عرض الأدوية مهمّ جدًا.
نعلم أن الحبوب الملوّنة تنجح أكثر من الحبوب البيضاء. وأن حقن الأدوية المسكِّنة للألم في المريض فعّال أكثر بنسبة 50% عندما يكون الطبيب بالقميص الأبيض واقفًا إلى جانب المريض في تلك اللحظة.
وأن الحقن المزيّفة تنجح أكثر من الحبوب المزيّفة. وأن الحبوب الكبيرة تنجح أكثر من الحبوب الصغيرة.
وأن تناول عدّة حبوب دفعة واحدة ينجح أكثر من تناول حبّة واحدة حتى لو كانت الحبوب مزيّفة (العلاج الوهمي).
وأن الدواء المُقَدَّم إلى المريض بثمن مرتفع ينجح أكثر من دواء رخيص.
ويمكن التكلّم عن تفاصيل أكثر أيضًا!
بحسب مقال نُشِر في صحيفة The Atlantic :
الحبوب الزرقاء تنجح أكثر كحبوب مُسَكِّنة.
الحبوب الحمراء أو البرتقاليّة محَفِّزة.
الأصفر يجعل مضادّات الاكتئاب أكثر فعاليّة (هل لأنها بلون الشمس؟).
الأخضر يخفّف من القلق (لون الأمل ونعرف أيضًا الأثر المهدّئ للنزهات في الطبيعة الخضراء).
الأبيض يخفّف الألم.
وإذا حرقتم جلدكم فإن الكريم الأحمر سيخفّف الألم بنسبة أقلّ من الكريم الأبيض.
إضافة إلى ذلك الدواء الذي يحمل اسمه على الحبوب ينجح أكثر.
الاختلافات الثقافيّة
ولكن هناك اختلافات بين ثقافة وأخرى:
مثلًا لاحَظ الباحثون أن الأثر المهَدّئ للّون الأزرق لا ينجح مع الإيطاليّين. وجاء تفسيرهم أن الأزرق مرتبط في عقولهم بفريقهم الوطني لكرة القدم (gli Azzuri الزُرق) ما يؤدّي إلى ارتفاع في هورمون الأدرينالين لديهم!
أما الأصفر فمشهور كثيراً في أفريقيا وهو أكثر فعاليّة في الأدوية المضادّة للملاريا حيث يصبح بياض عين المريض أصفر.
الهدف هو الشفاء لا أن نكون على حق.
بعضهم يعتبر ذلك حزينًا ومخيّبًا لأن المرضى “حمقى” جدًا في هذا العصر من الناحية العلميّة.
ولكن هدف الطبّ هو شفاء المرضى وليس الإثبات لهم أنه “محقّ على الصعيد العِلمي”. فلا بأس إذا تمكنّا من الحصول على النتيجة المرجوّة من هذه الحيَل الصغيرة غير المؤذية!
استخدم أطبّاء العائلات الجيّدون جميعهم العلاج الوهمي لمعالجة مرضاهم: تكون ملامحهم جديّة فيعبسون ويصغون بانتباه بالسمّاعة ويعطون المرضى حبّة سكاكر صغيرة تشبه الدواء – فيشعر المريض بالتحسّن.
جميع الأهل يعرفون أثر “القبلة السحريّة” التي تهدّئ أوجاع الأطفال بفعاليّة.
ولكن مثل الصفعة على المؤخّرة (أو في أكثر الأحيان التهديد بالصفع على المؤخرة الوسيلة الضرورية للتربية!) يمكنني أن أشهد من خلال تجربتي أنكم إذا كنتم “تتمتّعون بالمصداقيّة” من قِبَل أطفالكم لن تحتاجوا إلى ضربهم بل على العكس يجب أن يصدّقوا أنكم قادرين على صفعهم…
في النهاية أعترف أن شركة Reckitt-Benckiser قد بالغَت ببيَع دواء يحتوي على الشيء نفسه بثمن أغلى. ولكن هنا أيضًا مسألة نفسيّة بشريّة! أعرف طبيبًا اتفق مع صيدلي قديماً على أن يعطي مرضاه جرعتَين الأولى زهريّة اللون والأخرى زرقاء.
ولم تكن الجرعتان تحتويان إلّا على مزيج من الماء والسكّر وحمض الستريك وبعض الملوِّنات الطبيعية. ولكن بحسب الموارد الماليّة عند المرضى كان السعر مناسِبًا.
إذا كانت الجرعة رخيصة جدًا لن تنجح وإذا كانت ثمينة ستشكّل عبئًا ثقيلًا على ميزانيّة المريض. فنجح هكذا لمدّة 44 سنة وأقسم بأنه نجح!
بصحّتكم!