العودة إلى الماضي:
عندما نرتقي إلى مستوى تطور جديد، قد يصبح ما كان فيما مضى عادياً وصحيحاً، خاطئاً ومسبباً للمرض. عندئذٍ، لكي يتجاوز الإنسان الذنوب والخطايا التي استجدت ولم يعها بعد، عليه أن يتوجه إلى الله أشد من ذي قبل ويضاعف من تعلقه به. عندها يصبح ممكناً تطور الإنسان ليصبح أكثر وعياً للقوانين الجديدة التي سوف تساعده على الحياة.
بالنسبة للحيوان من الطبيعي تماماً أن يبعد الضعيف ويتخلص منه. التنافس والقضاء على غير القادرين على الحياة هو التطور بالنسبة له. في القبائل البدائية، كان القضاء على الضعيف طبيعياً أيضاً، فقد كان التطور يتم عن طريق صراع البقاء. ولكن البشر صاروا بشراً فقط عندما بدأوا بمساعدة بعضهم البعض، وبإنقاذ بعضهم البعض. من أجل ذلك كان لا بد من التواصل وتطوير الكلام. لقد نشأ التواصل اللفظي للمساعدة وللمواساة ولتوحيد أبناء القبيلة الواحدة.
مع قدوم الأديان أصبح قمع الضعيف والتخلص منه خطيئة، أي أن منظومة جديدة للتطور ظهرت ليست إجبارية ولكنها اختيارية. لم يعد مسموحاً لك قتل أو قمع الضعيف الذي لم يتمكن من الارتقاء إلى مستواك، وإنما عليك مساعدته على الارتقاء. لقد أصبح هناك طريقة جديدة للنمو وللتطور لدى الإنسان.
سابقاً كان مستوى التفكير الجديد يأتي فقط مع جيل جديد. جرى التطور بمعظمه عبر موت القديم وولادة الجديد. كان الموت هو الوسيلة الرئيسية لتطور الكائنات الحية. أما مع قدوم الأديان فقد أصبح هناك إمكانية أن يصبح الضعيف قوياً وأن يقترب الناقص من الكمال، وأن يلتزم الوثني والكافر بالتعاليم الإلهية، ويؤمن بالله الواحد، ويغير أثناء ذلك جوهره.
جاءت الإمكانيات العليا والطاقة الإلهية مع الأديان من أجل تغيير نفس وشخصية الإنسان. نشأ إنسان جديد كما تم إرساء أسس حضارات جديدة، إلا أن التطور اللاحق كان عليه ألا يتوقف. لقد أصبح لدى أتباع الديانات الإلهية ترف وأولاد كثر ومكانة مرموقة في المجتمع، وكل ذلك دلالة على الطاقة الداخلية العالية المتراكمة نتيجة تطور النفس. ولكن عندما قدمت طاقة إلهية جديدة كشفت أن مستوى التقوى غير كافٍ، فقد تعالت من أعماق المؤمنين الاعتراضات على الله وعدم الرضا بالقدر والكراهية للذات.
وهكذا كلما اقتربنا من الله أكثر، اكتشفنا نواقص أكثر في أمور كنا نعتبرها مقدسة فيما مضى. مثلاً، أصبح هناك آلية جديدة تماماً لما نسميه مرضاً أو مصيبة بالنسبة للأشخاص المستعدين للتطور. لم يعد هذا عقاباً على خطايا سابقة بالنسبة لهم، إنه تهيئة لمستوى جديد من تطور النفس. فالآلام غير العادلة ظاهرياً تشكل في الواقع مستوى جديداً تماماً لمعرفة الله. الموجة الجديدة من الطاقة الإلهية تأتي مع دفعة جديدة من الألم والسعادة. تأتي الآلام أولاً، ولكن إذا حافظنا على الحب تأتي بعدها السعادة أيضاً.
عندما يعي الإنسان عظمة الخالق واستحالة إدراكه، ويقلع مرة واحدة وإلى الأبد عن الاعتراض واللوم والشعور بالصوابية وبأنه محق أمام الله، عندها تظهر إمكانية التغييرات الداخلية ويثبت الإنسان جدارته بالسعادة الجديدة.