على الرغم من أن كلمة “أحبّك” هي أصغر كلمة يمكن التلفّظ بها إلّا أنها ربما أصعب كلمة يمكن التعبير عنها بقدر ما هي مهمّة. إنها كوكتيل كثيف من الأحاسيس والعواطف وهي أيضًا انفتاح على الآخر وتعلّق. في أيّامنا هذه كيف يمكن أن نجعل الاعتراف بأحاسيسنا بأفضل طريقة ونحن نشعّ بالسعادة؟
بشكل عام الأشخاص الذين يستشيرون خبيرًا يأتون ل”حلّ مشكلة ما”. يأتون ليتكّلموا عن “أمر ليس على ما يرام” ثم يضيفون “ولكني أحبّه/أحبّها”. وعندما يسألهم “حسنًا لماذا؟” في أكثر الأحيان يلتزمون الصمت…ثم يجيبون “حسنًا…لأنني أحبّه/أحبّها!”
في الواقع يؤمنون بأمر لا يملكون أدنى إدراك له ويؤكّدونه…يعتبرون أن الحب ” ينطلق من الذات” كأنه أمر طبيعي وأكيد…لدرجة أنهم يتكلّمون عنه…ولكنهم في الحقيقة غير قادرين على التكلّم عنه لأنهم لا يعرفون ما هو.
ولكن عندما لا يعودون يكنّون الحب لشريكهم يبدو لهم الأمر غريبًا وغير طبيعي فيلجأون إلى اختصاصي ويطلبون منه “أن يصلح المشكلة” بينما في الواقع ليس هناك أي مشكلة لكي يحلّها بل صعوبة في التصرّف بطريقة تختلف عمّا يتصرّفون “عندما يكونون بمفردهم”.
أين يكمن التعبير عن المشاعر في عصرنا هذا؟ هل ما زال مهمًّا أم أصبح أكثر أهميّة أم سخيفًا؟
التعبير عن المشاعر ليس سخيفًا وليس مهمًّا. التعبير عن العواطف والمشاعر هو مهارة في التواصل
. ولكن في الأساس عدم القدرة على تحديد العواطف هو الذي يولّد الصعوبة في التعبير. إذا كان من الصعب التكلم عن أمر ما تميّزونه بوضوح، إذًا ماذا تعتقدون…عندما لا تعرفونه…
من جهة أخرى الناس يشعرون بالحاجة إلى التصرّف والتكلّم حتى ولو كانوا لا يعرفون كيف يفعلون ذلك. الأمر نفسه يحدث بالنسبة للعواطف والمشاعر فهم لا يأخذون وقتهم في التقرب من شخص يعجبهم ويفضلون أن يصلوا إلى النتائج بسرعة.
وبالتالي ينتقل التعبير عن العواطف والمشاعر إلى المرتبة الثانية لصالح العمل السريع ولكن لا يعود هناك أي إدراك لهذه العواطف والمشاعر ولا لحالتها…ولا لتبدّل هذه الحالات. فيتورّط الشخص بغليان عاطفي ثم في معتقدات وفي النهاية في عادات تشكّل علاقة طرفاها غير قادرَين على تفسير معناها ولا يردّدان إلا جملة “ولكنني أحبه/ أحبّها” أو في أكثر الأحيان ” ومع ذلك كنت أحبه/ أحبها” وأكثر ما هو مرعب هي جملة “نريد أن نبني شيئًا”. هذا كلّه من دون أدنى وعي أن ما يريدان بناءه هو في أغلب الأحيان وهم لأن الطفل والبيت هما تجسيد الشعور بالحب… ولكن ما من طريقة تضمن نوعيّته و/أو استدامته.
قلّة من الناس يمكنهم أن يقولوا: “حبيبتي أحبّكِ لا سيّما لأنكِ رشيقة مثل عصفور” أو “حبيبي أحبّك لأنك تمنحني حياة مريحة وفاخرة”.
الحبّ في يومنا هذا هو في أكثر الأحيان خلط كبير بين ما نعتقده وبين حقيقة الأمور. باختصار إنه أمل كاذب. في الواقع نظنّ “أننا بحاجة إلى أن نحِبّ ونُحَبّ” ونجعل الحبّ أمرًا مثاليًّا بشكل غير منطقي وهو في الأصل أمر رائع في ذاتنا ولكننا ننتظر منه معجزات ولا نعرف أن هذه التوقّعات هي أوهام. وبالتالي بما أن المعجزة لا يمكن تفسيرها لا نعتني بهذا الشعور بما أنه معجزة و”طبيعي” ونفسده من خلال إهماله. بينما ما من شيء أكثر هشاشة واضطرابًا من العواطف. ويكمن أكبر وهم في الإعتقاد أن الحب يدوم “بشكل طبيعي” وتكمن وظيفة هذا الوهم في الاعتقاد أن الاستدامة مرادفة للسعادة وأن الحبّ إذا انتهى سيكون الأمر كارثة أو فشلًا.
ولكن من الممكن ألّا تكون هناك مشكلة في قرارة نفسنا لأننا نستطيع أن نرتبط بعدة علاقات حبّ سعيدة، بدلاً من واحدة. وبرأيي 5 علاقات بمعدل علاقة كل 6 سنوات أفضل من واحدة في خلال 30 سنة. ولكن غياب القدرة على الرؤية يقود الكثير من الناس الذين ارتبطوا بعدة علاقات إلى أن يعتبروها فشلًا لأنها لم تستمر، بينما العلاقات المعنيّة كانت بشكل موضوعي ناجحة إذا لم ننظر إليها على أساس نظرية الكمال والخلود الوهميّة. لذا نحوّل الإرتباط بخمس علاقات ناجحة نسبيًا إلى ” الخسارات الخمسة في الحياة”… وفي المقابل نعتبر علاقة شخصَين عاشا في حالة ضجر من بعضهما لمدّة 30 سنة علاقة مثالية !