أعلم أنه رأي شخصي جداً لكن دعوني أقول لكم إن مشاهدة هذا الفيلم ستدخل إلى لاوعيكم أشياء أنتم بغنى عنها من مغالطات أخلاقيّة وجنسيّة واجتماعية والأخطر هو تأثيره على الشباب. لماذا أنصحكم بعدم مشاهدة 50 shades of Grey؟
عندما صدرت ثلاثيّة 50 shades of Grey قامت الدنيا ولم تقعد. الكلّ تهافت على شراء الكتاب غرباً وشرقاً. والسبب غير واضح في الحقيقة. لماذا يقبل الناس على قراءة كتاب فيه من العقد النفسية والعنف الجسدي والإهانة للمرأة وإظهار لساديّة الرجل بهذا الشكل الغريب؟ والأنكى من ذلك أن هذه الانحرافات تقدّم للقارئ في إطار قصّة رومنسيّة أقل ما يقال فيها إنها عادية جداً لفتاة بريئة تدعى أنّا لا تجارب جنسيّة لها تقع تحت تأثير كريستيان غريه صاحب الثراء الفاحش والسحر الآسر والميول الجنسية الغريبة المرتبطة بطفولته المعذّبة. وتقبل أنّا أن توقّع على عقد يجعلها عبدة لهذا الرجل الغريب الأطوار الذي يعاملها طوراً بلطف وحنان وأطواراً يخضعها لألوان انحرافاته الناتجة عن عقدة السيطرة التي يعاني منها.
شخصيات هذه الرواية وهذه القصة ليست بالضرورة واقعيّة. فشخص مثل كريستيان غريه كان يمكن أن ينتهي به الأمر في مصحّ عقلي أو في السجن بسبب ممارساته التي لا يبررها شيء غير قبول الضحيّة بها. وأما الضحيّة فلا يجب أن تكون مثالاً تحتذي به الفتيات. فقناعتها بإمكانية تغيير كريستيان قد تنقلب في الواقع إلى عقد نفسية ومشاكل أخطر مما تتصوّر. فهي ليست أخصائية نفسية متمرّسة وبالتالي لا يمكنها أن تمتلك القدرة على السيطرة على انعطافات شخصية غريه الغريبة وكان من الممكن جداً أن تنتهي القصة بغير ما انتهت عليه في الكتاب والفيلم.
الرسائل التي تنقلها الرواية والفيلم خطيرة جداً:
يمكن للرجل إذا استطاع أن يسيطر عاطفياً أو جنسياً على امرأة أن يتحكّم بكل تفاصيل حياتها الصغيرة والكبيرة.
يمكن للرجل أن يستعين بكل أنواع التخيلات الجنسية الممكنة لإحكام سيطرته على المرأة.
يمكن للرجل أن يتذرّع بحجة أنه تعرّض لصدمات في الطفولة لكي يغوي المرأة فتوافق على كلّ ما يطلبه من أشياء غريبة.
أما في ما يتعلّق بالنساء فالرسالة أخطر: أنت يمكن أن تكوني دمية لا بل عبدة للرجل إن كنت واقعة في حبّه. عليك أن تتقبّلي تصرفات وممارسات لا تريدينها وتخيفك لأنك تحبينه. عليك تقبّل العنف كجزء من اللذّة.
الاستغلال الجنسي والنفسي ليس شيئاً رائعاً تحلم به كلّ فتاة. وهو مرفوض في كلّ الأحوال. المرأة الناضجة نفسياً تحاول بكل الطرق تجنّب الألم. وتبحث في علاقتها عن الاحترام والشراكة الحقيقيّة. كما أن الرجل الناضج يرغب بأن تكون شريكته واعية تعرف كيف تدافع عن نفسها وتتخذ قراراتها بحكمة لا بانصياع. وليس صحيحاً أنه يبحث عن فتاة خائفة مترددة تشعر بانعدام الأمان العاطفي وهي مستعدة لأن تفعل ما يريده شريكها شرط أن تبقى معه.
ليس صحيحاً أن أنّا كانت تتمتع بحرية الاختيار وقد اختارت أن ترضخ لانحرافات كريستيان. نعم كانت حرّة حين اختارت لكن هذا لا يمنع أنها أساءت الاختيار. علماً أنها تكون في معظم الأحيان تحت تأثير الخمر الذي يسقيها إياه.
قد يقول البعض إنه لا بأس بأن يجرّب المرء أشياء غريبة في العلاقة الجنسيّة. لكن هذا يصحّ فقط في العلاقة الزوجيّة الصحّيّة الطويلة الأمد التي تقوم على الثقة والإلتزام والصراحة والحوار والحب.
في النهاية أقول إن أفكار 50 shades of Grey خطيرة وتؤثّر في اللاوعي الجماعي للشباب وقد توحي لهم أن لا بأس بهذا النوع من العلاقات. لذلك ينبغي أن نستطيع التمييز جيداً ما بين العلاقات الصحّية وتلك غير الصحّية.
ويُذكر أن الممثّلين أنفسهم في هذا الفيلم عبّروا عن انزعاجهم من المشاهد التي كانوا يُمثّلونها ويستغربون لهفة الناس على قراءة هذه الكتب الثلاثة المملّة. كما يبدو أن الفيلم لا يلقى أصداءً جيدة بين النقّاد.
فاديا عبدوش