عندما نقابل شخصاً ما، فإن عقلنا يستعين مباشرة بالذاكرة ليستمد منها المعلومات الضرورية. وعندها يتعامل العقل مع ذاكرته وأفكاره، أي أنك لا تتعامل مع الشخص بل تتعامل مع رأيك به. ومن المحتمل أن هذا الإنسان قد تغير منذ زمن، وهو على الأغلب قد تغير لأن لا شيء ثابت في هذه الطبيعة. ولكن عقلنا يوقعنا في الفخ بأن يدفعنا للتعامل مع أشياء حدثت في الماضي.
لا شك أننا نتعرض دائماً لمواقف حيث نصادف كل اليوم أشخاصاً وجوههم عابسة، أو في أيامٍ معينة يكون كل من نصادفهم من النساء أو من الرجال، وفي أيامٍ أخرى يكون المحيطون بك من الشباب، الخ… إن كل ذلك ألعاب يلعبها العقل، فالأمر أنه في كل لحظة من الزمن يطفو على سطح وعيك ذكريات وانفعالات معينة لها علاقة بك، لذلك تذكر دائماً أن ما تراه في اللحظة الراهنة يختلف تماماً عما هو في الحقيقة، ويمكن أن نؤكد بثقة أن ذلك إسقاط دائم لعقلك على العالم الخارجي.
لكي ترى الشيء الذي يحدث فعلاً يجب أن توقف عقلك وتخرج خلف حدوده، وعليك أن تتذكر دائماً أنه لا يوجد شيء ثابت في هذا العالم. ولكن كل ما في الأمر أننا اعتدنا أن نطلق أسماءً على الأشياء حتى تصبح معروفة لدينا ونستطيع التعامل معها، فتثبت هذه الأشياء على الأسماء التي أطلقناها عليها، وهذا أمر مريح جداً من أجل معرفة الاتجاه والمحافظة على البقاء. حاول أن تتخيل للحظة ماذا كان سيحل بك لو أنك كنت تتعامل طيلة الوقت مع المجهول، هذا الأمر يمكن أن يدفعك إلى الجنون بسهولة. ولكن المشكلة أننا عندما نطلق أسماء وتقييمات على الأشياء، فإن العالم يجمد من حولنا لأن كل ما فيه يصبح واضحاً ومحدداً ومعروفاً، وبما أن كل شيء أصبح محدداً فإنه عندما يظهر أمامنا شيء جديد، فنحن لا نراه.
ولذلك تذكر دائماً أنك كلما اصطدمت بشيء ما في هذا العالم، فهو على الأرجح مختلف عما هو في الحقيقة. بعد أن تعتاد في داخلك على هذه الفكرة ستتقدم بالتدريج في اتجاه الحقيقة، وفي الواقع ستعاني من الشك في كل مرة وتسأل نفسك:”أهذا فعلا ًما أراه؟ أهذا فعلا ً ما آسمعه؟” وتدرك أنه يمكن أن يوجد شيء مختلف تماماً عما تراه.
وهكذا خطوة خطوة ستبدأ تقاليدك وعاداتك بالتلاشي من حياتك وسيتكفل الزمن بالباقي.