بمقدورك أن تراقب كل لحظة من حركاتك، مثلاً عندما تنظف أسنانك أو تأكل أو تغسل الصحون. انتبه إلى كيفية تقريبك الملعقة من فمك، وكيفية مضغك للطعام، وكيفية بلعك للطعام، وكيفية ملئك الملعقة بالشوربة. انتبه إلى كيفية أخذك للصحن، وتقريبك من الحنفية، وكيفية أخذك لليفة وغسلك للصحون، وكيفية قيامك بحركة إثر الأخرى، وكيفية مسح الصحن، وكيفية وضعك الصحن فوق الرف، انتبه إلى كل لحظة تمر بها وأدركها.
بنفس الطريقة يمكنك أن تتصرف في الدكان عندما تريد شراء غرض ما. انظر واشعر بكيفية أخذك لمحفظتك، وكيفية سحبك للنقود منها، وعدّك لها، وحصولك على الغرض ووضعك إياه في المحفظة، وعدّك للباقي من النقود ووضعك إياه في المحفظة، وكيف تضع المحفظة في جيبك أو حقيبتك، وكيف تستدير وتغادر. وبالمناسبة هذا التمرين يمكن أن يساعد في التغلب على الخوف من المال عند بعض الناس أو عدم تقبلهم له، فهذا هو سبب عدم وجود المال عند العديد من الناس بصورة دائمة.
بهذا الشكل يمكنك أن تعلّم نفسك طوال الوقت كيفية التواجد في المكان والزمان الحاضرين، دون ان تخصص لهذا التمرين وقتاً خاصاً. من خلال أدائك للتمرين دورياً ودون عجلة، ستشعر سريعاً بالنتائج. ولن أصفها لك، لأنك ستراها وتفهمها بنفسك. إن أهم ما في الأمر هو أن تركز على ما تفعله وتدركه بعقلك. عندها سيكشف هذا العالم أسراره أمامك ويظهر الواقع الحقيقي. هذا الأمر يشبه الوردة التي تتفتح في وجه الشمس. أنت هو هذه الشمس والعالم سينفتح لك بسرور. وصدقني أنه لا يوجد أي خطر في هذا العالم، فالأخطار جميعها تخلقها بنفسك عندما تتبع القناعات الخاطئة.
توقف فوراً عن تقييم الأمور الموجودة أمامك. حاول أن تفهم أنه لا وجود للسيء والجيد، بل هناك فقط الحياة في تنوعها غير المحدود. إن تقييمك لأي شيء في الحياة، سواء سلباً أم إيجاباً، يجعلك لا تتعامل مع الشيء نفسه بل مع تقييمك له، أي مع وهمك.
في كل مرة تقيِّم فيها أمراً ، تقوم بتضخيم “الأنا” الخاصة بك وتبتعد عن الحقيقة، لأن “الأنا” تكبر وتتضخم بواسطة التقييمات والتعريفات التي نعطيها للأمور. لكنك بهذه الطريقة لن تستطيع أبداً أن تعرف الحقيقة أو أن تتعامل مع الواقع. وما إن تتوقف عن التقييم حتى توقف تغذية الأنا، فيتوقف عن النمو والتضخم.
يمكنك أن تتصور “الأنا” كتركيبة معقدة ومتشابكة مع بعضها البعض. هذه التركيبة هي قناعاتنا، وفي داخلها تختبئ لؤلؤة نادرة هي الحكمة، أو الواقع الحقيقي الذي لا نستطيع اكتشافه إلا بعد أن ننهي تعلقنا بالتقييمات والقناعات المحدودة والأنا الخاصة بنا. يجب أن لا نبحث عن الحكمة في الخارج، فهي في داخلنا لأن كل ما هو خارجي مساوٍ لكل ما هو داخلي، وكل ما يتطلبه الأمر القليل من الصبر والثقة بالنفس.
ومع هذا، بإمكاننا اكتشاف الواقع الحقيقي دون بذل أي مجهود وفي لحظة واحدة، لأننا في داخلنا نعرف ما هو.