السيناريو الأول
وبعدها، في عيد ميلاده الثلاثين، سيأتي إليّ – المهرج الأصلع هذا المتعرق وعلى وجهه لطخات من المكياج – ويقول : “أمي، أصبحت في الثلاثين من العمر! وأنا مهرج في المركز التجاري ! أهذه هي الحياة التي أردتها لي؟ في ماذا كنت تفكرين، يا أمي، عندما أخبرتني أنّ التعليم العالي ليس ضروريًا؟ ما كانت أعذارك، يا أمي، عندما سمحت لي أن ألعب مع أصدقائي بدلًا من أن تجبرينني على القيام بفروض مادة الرياضيات.”
وسأجبيه: “عزيزي، حاولت بكل بساطة أن أكون متنّبهة ! لم أشأ أن أضغط عليك في أي شيء ! لاحظت أنه ليس لديك اهتمام بالرّياضيات. ومن ناحية أخرى، بدوت مستمتعًا باللعب مع الأطفال الأصغر سنًا.”
وسيكون ردّه : ” ما كنت أعرف ما هو الأفضل لي ! كنت طفلاً ! ولم أكن في موقع يسمح لي أن أقرر أي شيء. لكنك انت، نعم أنت قد دمرت حياتي بأكملها !” وسيمسح شفتيه بقبضته القذرة والمرتجفة ملطخًا كامل وجهه بأحمر الشّفاه.
وسأقف وأنظر مباشرة إلى عينيه وأقول : “أنصت إليّ يا ابني. في العالم، نوعان من الناس : أولئك الذين يعيشون حياتهم وأولئك الذين يلعبون لعبة اللّوم. وإذا لم تفهم هذا، فأنت غبي إذن.”
سيتعجب ويغمى عليه في الحال. سيقصد الطبيب النفسي حوالى خمس سنوات ولن يحصل على نتيجة.
السيناريو الثاني
يومًا ما، عندما يصبح لدي ابن، سأحاول القيام بكل ما يقوم به الآخرون. بدءًا من سن الثالثة، سأباشر بالقول له مرارًا وتكرارًا : ” لا تكن أحمق، فكر في مستقبلك. حضّر فروضك في مادة الرياضيات. لا تريد أن تقضي حياتك في وظيفة عامل هاتف في مركز الإتصالات.”
ومن ثم، عند بلوغه الثلاثين، سيأتي إلي – هذا المبرمج الأصلع المتعّرق وعلى وجهه تجاعيد عميقة – ويقول : ” أمي، أصبحت في الثلاثين من العمر ! وأعمل في شركة غوغل. أكدح في المكتب لمدة عشرين ساعة يوميًا. وليس لدي عائلة. في ماذا كنت تفكرين ياأمي عندما قلت لي إن الحصول على عمل جيد سيسعدك؟ ما الذي كنت تحاولين فعله عندما اجبرتني على أن أدرس الرّياضيات؟”
وسأجيبه: ” حبيبي، أردتك بكل بساطة أن تحظى بدراسة جيدة ! وأردت التأكد من أنك ستجد مجموعة واسعة من الفرص المتوفرة لك.”
وسيكون ردّه : ” بماذا ستفيدني هذه الفرص اللعينة، يا أمّي، في الوقت الذي أعاني فيه من الكآبة ؟ أسير بجانب المهرجين في المركز التجاري وأحسدهم، إنهم سعداء. كان باستطاعتي أن آخذ مكانهم. لكنك أنت، نعم أنت دمرت حياتي بأكملها” وبأصابعه المرتجفة سيفرك أنفه تحت نظارته.
ثم سأقف وأنظر مباشرة إلى عينيه وأقول : “أنصت إلي يا ابني. في العالم، نوعان من الناس : أولئك الذين يعيشون حياتهم وأولئك الذين يقضون كل وقتهم وهم يتذمرون. وإذا لم تفهم هذا، فأنت غبي إذن.”
سيتعجب ويغمى عليه في الحال. وسيقصد الطبيب النفسي طوال خمس سنوات بدون نتيجة.
السيناريو الثالث
مرة أخرى، قد تسير الأمور بشكل مختلف. يومًا ما، عندما يكون لدي ابن، سأحاول أن أقوم بكل شيء بالطريقة السهلة. بدءًا من سن الثالثة، سأقول له مرارًا وتكرارًا : ” أنا لست هنا لأعطيك تعليمات، أنا هنا لأحبك. وإذا كنت بحاجة لنصيحة يا عزيزي، اذهب واسأل والدك فأنا لا أريد أن أتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات المصيرية وحدي.”
وعند بلوغه الثلاثين، سيأتي إلي – هذا المخرج الأصلع المتعّرق وفي عينيه أمارات الكآبة – وسيقول : ” أمي ! أصبحت في الثلاثين من العمر. ومنذ ان كنت طفلُا، كنت أحاول أن أجذب انتباهك. وخصصت لك عشرة أفلام وخمس مسرحيات، وكتبت كتابًا عنك، يا أمي. ولم تهتمي. لماذا تجنبت دائما أن تعبري عن رأيك؟ لماذا قلت لي دومًا: اسأل أباك؟
وسأقول له : ” حبيبي، لم أشأ أن أتخذ أي قرار عنك ! حاولت بكل بساطة أن أكون بجانبك لأمنحك حبّي. أمّا في ما يتعلق بإسداء المشورة فإن أباك أفضل مني في هذا النوع من الأمور.
وسيكون ردّه : ” بماذا أفادتني نصيحة أبي اللعينة في الوقت الذي أردت فيه سماع نصيحتك أنت؟ كل حياتي، كنت أحاول أن أجذب انتباهك يا أمي. وقد ركزت كل اهتمامي عليك. سأعطيك أي شيء لأكتشف حقًا رأيك فيّ. لمرة واحدة فحسب، أمي ! لمرة واحدة فحسب ! لكن يبدو وكأن الأمر لن يحدث. صمتك أنت، ابتعادك انت – هما ما دمّر حياتي ! وفي لفتة تمثيلية، سيضع يده المرتجفة على جبينه.
ثم، سأقف وأنظر مباشرة إلى عينيه وأقول : “أنصت إلي يا بني. في العالم، نوعان من الناس : أولئك الذين يعيشون حياتهم وأولئك الذين يعيشون دومًا في انتظار شيء ما. وإذا لم تفهم هذا، فأنت غبي إذن.”
سيتعجب ويغمى عليه في الحال. وسيقصد الطبيب النفسي طوال خمس سنوات بدون نتيجة.
يعدّ هذا المقال الذي قدمناه لكم من آي فراشة، لقاحًا جيدًا ضد كمال الأمومة – أي الرغبة في أن تصبحي أمًا مثالية. فجميعنا نحتاج للابتعاد عن هذا الضغط ! ومهما جاهدتم لتكونوا أهلاً مثاليين، سيبقى لدى أولادكم شيئ أو أكثر ليقولوه عنكم للمعالج النفسي.