عندما أريد أن أتذكر فكرة ما، أعود إلى بدايتها التي تبدو بمثابة شعور له لون ما. فأنتظر مركزاً عليه، وفي لحظة من اللحظات تحصل المعجزة. هذا الشعور المبهم الغامض كأنه برعم زهرة مغلق، يتفتح فجأة بمجموعة من الذكريات أو الأفكار. كما أن العملية العكسية تحدث أيضاً: كل فكرة تغطيها أفكار وأوضاع متشابهة ثم تتحول إلى شعور. وهذا الشعور بالذات هو الذي يغوص في أعماق ذاكرتنا.
حاولت ذات مرة أن أحدد أين تحدث عملية التحويل الغامضة هذه. عادة الرأس يفكر والقلب يشعر، ولكن لم يتمكن أحد حتى الآن من تحديد أين يقع مصدر انفعالاتنا. وهكذا حاولت أن أتذكر أفكاري، ووصلت إلى الانفعال الذي تختبئ فيه ذكرياتي حيث يتحول إلى فكرة. وتوصلت إلى نتائج مذهلة: لا تجري هذه العملية في رأسي ولا في صدري، بل على بعد متر واحد تقريباً من جسدي، وليس في نقطة واحدة بل تتوزع على ست نقاط بشكل قوس فوق الجزء العلوي من جسدي. أي أن انفعالاتنا ومشاعرنا موجودة خارج حدود غلافنا المادي.
إذن هذا يفسر لماذا تستمر الحياة الشعورية والعقلية عندما يموت الإنسان، أي أن “الأنا” الحقيقي موجود في الهالة التي تحيط بنا. يشعر الإنسان ويفكر أولاً بواسطة هالته، أما الجسد والدماغ فيعملان بمثابة جهازي التقاط وإرسال، يحصل فيهما ترجمة هذه المعلومات أو دبلجتها فقط. تتصل الجملة العصبية السطحية بأحاسيسنا، أما الدماغ والنخاع الشوكي والأمعاء(يا للغرابة!)فتتصل بعملية التفكير.