إذا ترافق ازدياد إمكانيات الإنسان مع نقص أخلاقه، تراجعت فرص بقاء البشرية المعاصرة. المصيبة أن الناس من هذه النوعية يتزايدون، فنقص الأخلاق يأتي بالمال والفائدة. أما الأخلاق فلا تجلب مالاً، أو لا تعطي مردوداً سريعاً. يحيا العالم المعاصر بالنقود ودورتها السريعة، وهو يلغي بدون تردد كل ما لا يجلب المال بسرعة. والكمية الأكبر من المال يتم جمعها من الرذائل عن طريق تأجيج وتلبية الغرائز والشهوات الإنسانية. وكلما انحدر الإنسان أكثر نحو الوثنية، ازدادت رغبته في الاستهلاك وازداد عدد وحجم ما يمكن أن يباع له.
يترافق كل من الثقافة والاقتصاد المعاصرين مع النقود. أصبح الشذوذ والجرائم الأخلاقية مصدراً لكسب المال، فنجد تلميذاً يقتل رفاق صفه فيأتي الصحافيون صفاً لإجراء حديث معه وجني مال وفير من ورائه. لقد اختفت القيم الأخلاقية كمعيار لتقويم النشاط البشري، وأصبح التقويم الأساسي للإنسان هو كمية النقود التي جناها. إنها الشهرة التي حاول الحصول عليها بكل الوسائل، وهي التقدير والاهتمام اللذان استطاع أن يجذبهما إليه. لقد انتصرت الرذيلة لسبب واحد: أصبحت الشهرة والمال هما الخير وليس الحب والأخلاق.وإذا كان الناس قديماً ينحنون للحب، فقد أخذوا في عصر النهضة ينحنون للجمال، وبعد عدة قرون أخذوا ينحنون للجنس، ومنذ بضعة عقود حلت محلها الصور الخلاعية. يبدو أنه قد تم تجاوز نقطة اللاعودة، فنفس البشرية مريضة، ومريضة بشدة.
تتطلب الإنجازات السريعة للحضارة المعاصرة استهلاكاً ضخماً للطاقة الروحية. وهذا التزايد في استهلاك الطاقة لا تستطيع النفس أن تعوضه، فمن أين نأخذ الطاقة إذا لم تكن العلاقة مع الله موجودة؟ لقد وجدوا الحل عن طريق استنزاف النفس. بما أن اتساع النفس أكبر من اتساع الجسد والوعي بآلاف المرات، قد تستمر هذه العملية زمناً طويلاً نسبياً. ولكن هذه الطاقة سوف تنفد عاجلاً أم عاجلاً، وهي منذ الآن لم تعد كافية للأسرة وللأطفال الذين يجب أن يخرجوا إلى النور وللسلوك الأخلاقي. وربما لهذا السبب يزداد عدد الشاذين جنسياً وتتفكك الأسر وتعجز النساء عن إخراج الأطفال إلى النور. وهذا يوصلنا إلى الاستنتاج التالي:يتطلب مستوى الحضارة الحالي قدراً من الطاقة أكبر بكثير مما يمكن للتربية الوثنية في العالم أن تؤمنه. لذلك فالحضارة الحالية لا تقتل الثقافة فحسب بل تبدأ بتدمير ذاتها.