لكي يتمكن الإنسان من التواصل مع المستويات العليا، حيث يختبئ المستقبل، ولكي يتحكم بهذا المستقبل إلى درجة ما، يجب أن يمتلك احتياطياً من الطاقة العليا. ومن أجل ذلك يجب عليه أن يجيد التضحية. من دون مفهوم التضحية لا يمكن أن يوجد أي دين. يمكن للإنسان الذي يتواصل مع المستقبل فقط أن يؤثر فيه، ومن أجل ذلك لا بد من العزوف عن كل ما هو مادي. لذلك من المتعارف عليه في كل الأديان أن يقوم الإنسان بالصوم والصلاة قبل أن يدعو الله لتغيير مستقبله.
لدى كل إنسان هناك خطر دائم بالعودة إلى المستويات الحيوانية. إن صرف الأموال أسهل من العمل من أجل الحصول عليها، فرغباتنا ورفاهيتنا وكل متعنا ليست سوى صرف لطاقة المستقبل، وهذه الطاقة تأتي بدورها من الطاقة القادمة من الخالق. للحصول على هذه الطاقة يجب طبعاً التخلي عن الجوانب المادية للسعادة. ولكن هذا لا يكفي، فيجب أيضاً التخلي عن السعادة الروحية والنفسية.
إن تعاليم الأديان السماوية نقلت البشر من المستوى الحيواني إلى المستوى الإنساني. فإذا كانت الأضحية لأحد الإلهة بالنسبة للوثني هي من أجل حماية ذاته وسعادته تحت هاجس الخوف، ففي الأديان التضحية هي من مكونات السعادة الإنسانية. إن بذل الطاقة يطهر النفس من الأمراض وليس فقط الجسد. قد يكون الشخص الذي يعاني من ألم جسدي سعيداً، أما أن يظل سعيداً مع وجود ألم نفسي فهذا أصعب بكثير. وإذا اقترن هذا الألم مع انقطاع العلاقة مع الله، فإنه يصبح لا يطاق ويستحيل عندها على الإنسان أن يكون سعيداً.