لمئات وحتى لآلاف السنين كانت السعادة بالنسبة للكثيرين هي انعدام النزاعات والمشكلات، هي ألا تفعل شيئاً، ألا تعمل. لماذا؟لأن إعطاء الطاقة كان على الدوام قسرياً. كان الإنسان معرضاً دائماً لخسارة كل شيء، للمرض، للموت.
وكان صعباً جداً عليه تصديق أن التضحية قد تجعله سعيداً. لكن الحضارة تطورت، وبدأ منذ آلاف السنين ينشأ مفهوم أن السعادة يمكن أن تكون في نبذ الشهوات والرغبات وليس في تحقيقها. لقد تغيرت العلاقة بالثروات وبالسعادة الإنسانية، وانتشرت فكرة أن غاية الحياة وجوهرها لا تكمن في جمع الأموال والممتلكات، وأن التوجه إلى الخالق والحب لله هي الأفضلية الرئيسية.
ومن أجل ذلك لا يكفي أن نقدم له الأضحيات على هيئة ماعز وغنم وثيران. كظم الغيظ ورفض الكراهية تجاه الآخرين هو تضحية أيضاً. أن لا تستغل الأرملة، وأن تخدم الغريب، وألا تسخر من الأعمى وذي العاهة، وأن تدفع أجر العامل في وقته، هي تضحية أيضاًً.
إن التعاليم الأخلاقية التي أرشدتنا إليها الأديان السماوية، ساعدت البشر على كبح الشهوات الحيوانية والغرائز، وعلى تجاوز التوجه نحو الاستهلاك، وعلى رفع مستوى الطاقة الداخلية. فالإنسان الأخلاقي سيكون على الدوام أقوى من اللاأخلاقي، وسيربح المعركة ضده. قد يخسر اليوم ولكنه سيربح غداً. إن قانون بذل الطاقة يشمل كل الكائنات الحية وينطبق عليها.
إن الإنسان العديم الأخلاق ليس لديه مستقبل.المجتمع(أو الدولة) اللاأخلاقي محكوم عليه بالزوال. أولى علامات الانهيار هي السلوك اللاأخلاقي.إذا بدأت النفس بالموت فإن الروح والجسد زائلان لا محالة. يبدو هيناً جداً العودة إلى الأخلاق، ولكن إذا لم يكن هناك علاقة مع الله فيستحيل على المرء أن يكون أخلاقياً. يلزم الكثير من الوقت لذلك، فالموحد أكثر أخلاقية من الوثني لأن نفسه أكبر بعشرة أضعاف من نفس الوثني.
في بعض الأحيان قد يكون فقدان الأخلاق هو علامة الانهيار التالية وليست الأولى. تنعكس مشكلات النفس عادة على الروح على شكل مصائب وعلى الجسد على شكل أمراض، مما يرغم الإنسان على الاهتمام بأمر النفس فيتوجه عندها في لاوعيه إلى العلاقة مع الله التي تهب قوة الحياة الضرورية. لكن إذا جرى التركيز على العناية بالجسد وعلى تطوير الإمكانيات والوعي، فإن انهيار النفس يصبح أمراً غير ملحوظ. في هذه الحالة، قد يصمد الجسد الصلب والروح القوية طويلاً، ولكنهما سينهاران مباشرة ما إن يبلغ تداعي النفس حداً معيناً.