لنفترض أنك ضليع بمسألة ما أو بمهنة ما، فأنت في هذه الحالة تكون خبيراً بها ويصبح بمقدور عقلك النفوذ إلى داخلها، والسبب هو أنك كثيراً ما ركزت انتباهك عليها، وبهذه الطريقة يحصل النفوذ إلى داخل الأشياء. حاول الآن أن تتخيل شخصاً لم يسبق له أن تعامل مع عملك وكل ما يتعلق به، فيأتي إليك ويبدأ بإعطائك نصائحه حول عملك.
سوف تلاحظ في هذه الحالة أن معارف هذا الإنسان سطحية وفهمه للموضوع سطحي وأن عقله يتنقل فوق سطح الشيء في حين أنك تنظر إلى أعماق الشيء وتعرفه من الداخل. فهل توضح لك الفرق بين التفكير السطحي والتفكير العميق؟إذاً أصبح بإمكانك تطبيق معارفك حول النفوذ إلى داخل الأشياء التي تعرفها جيداً،على الأشياء الأخرى وليس عليك إلا أن تنقل تركيزك إلى شيء آخر وتتوقف عن التكرار لنفسك باستمرار أنك عاجز عن النفوذ إلى داخل الأشياء، وعندها ستجري الأمور تلقائياً.
يسمح التركيز بتوجيهك لعقلك إلى الغرض المطلوب بحيث لا يحيط به إحاطة سطحية بل ينفذ إلى داخله. والحالة النموذجية هنا هي تعلُّم النفوذ إلى داخل الأشياء أي رؤية جوهرها، وهذا يعني “جعل الخفي مكشوفاً”. فإذا نجحت في هذا، فستتوقف عن الانجذاب إلى قوالب الأشياء وسيتوقف عقلك عن تعلقه وتمسكه بهذه القوالب، أي أن الشكل سيفقد سلطته عليك، وبالتالي ستفقد الأشكال والقوالب الموجودة في هذا العالم سلطتها عليك، وتتعلم رؤية جوهر أي شيء يثير اهتمامك.
إن التركيز هو القدرة على النفوذ إلى داخل الشيء واستيعابه والاتحاد معه. ولكي تفعل ذلك عليك التخلص من جميع التقييمات السلبية ومن كل نفورك من الشيء المقصود. فهل يمكنك أن تحب إنساناً تنفر منه وتظنه سيئاً؟
اللوحة: Ballerina in a Death’s Head- Salvador Dali