إن الإنسان المعاصر يفكر بكل بساطة:”لا يعيش الإنسان على قطعة خبز، فإذا توفرت قطعتان أو ثلاثة تكون الحياة أفضل”. السعي إلى ربح بلا حدود أو ضوابط، هو فكرة أدت إلى تدمير، ليس الجسد فقط، بل أصابت العلم والدين والفن في مقتل. بالنسبة إلى الإنسان المعاصر أصبحت السعادة المطلقة تكمن في الدخل المادي، أي في قطعة الخبز الكبيرة. لكن جميع الأديان تقول إن الإنسان البخيل والشرير ليس له مستقبل. منذ آلاف السنين تم شرح سبب فناء الحضارات في الفلسفة الهندية القديمة. السبب الأهم هو فقدان الإيمان بالله وعبادة الغرائز الحيوانية.
الأخلاق هي عبارة عن مسؤولية أمام المجتمع. يجب على القوانين التي يقبلها المجتمع أن تساعد الإنسان كي يكون أخلاقياً. هذا يعني أن الأخلاق يجب أن تكون فوق القانون. عندما تعيش في مجتمعٍ يفرض عليك أن تتصف بالأخلاق الحميدة والمحبة والإيمان، فهذا المجتمع سوف يزدهر ويتطور. أما إذا عشت في مجتمع يشجعك كي تكون خائناً وسافلاً وعديم الأخلاق، أي أن تدمر الروح بالطمع والبخل والبغض…فإن ذلك المجتمع هو مجتمع مريض يسير إلى الهاوية.
في المجتمعات التي يتم تصنيفها على أنها متحضرة، تقع على المواطن مسؤولية وحيدة وهي تجاه القانون فقط. إن إلغاء مسؤولية الفرد تجاه المجتمع، أي إلغاء الأخلاق، يؤدي إلى إلغاء مسؤوليته تجاه الخالق. ولكن لا تستطيع أي قوانين إدارية أو جنائية إصلاح الإنسان إذا كانت نفسه عقيمة، فالشخص الذي نصنفه كشخص فاسد أو متوحش، يعتبر في بلاد كثيرة شخصاً طبيعياً ومحترماً لأنه لا يخرق القانون.
لا يوجد أي قانون في العالم يستطيع أن يصلح داخل الناس. إن ذلك بمقدور القانون الأخلاقي فقط، فتطور الأخلاق الحميدة هو تطور للإيمان ومحبة الخالق. حينما يحصل تعارض بين القانون وبين الأخلاق فهذا يعني شيئاً واحداً: إن المنطق البشري حل محل المنطق الإلهي.
ما هو القانون القضائي؟ إنه الشكل الذي يحتوي على حالتنا الداخلية، أما الأخلاق فهي الذراع التي تربط بين المحبة الإلهية والقوانين. عندما تنعدم المحبة داخل الروح، ينعدم المضمون أيضاً، ويصبح التمسك بالشكل هو الأهم، فيطغى الشكل على المضمون. وبعد أن يقتل الشكل المضمون يموت الشكل أيضاً.
الكثير من الحضارات والمدن والشعوب اندثرت واختفت. ما يثير الدهشة أن آلية اختفائها جميعاً كانت واحدة. في كل مرة يعيد التاريخ نفسه من جديد، وفي كل مرة تعجز الأرواح الضعيفة والمتعلقة بمتع الحياة والمصالح البراقة والزائفة، عن إدراك الفناء القادم الذي يلوح في الأفق.
إن الأوروبيين والأميركيين لا يريدون على الإطلاق رؤية الكارثة القادمة التي أصبحت مؤشرات قدومها جلية. يعد الفساد والتفسخ والانحلال الأخلاقي من الظواهر التي تتنبأ بالشؤم القادم، ولكنهم يعتبرون ذلك مؤشرات عادية وطبيعية، وهكذا أضحوا كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
يجب على الحضارة الحالية أن تطور الحاجة الملحة للتقرب من الخالق وأن تسعى إلى نشر مفاهيم وقيم أخلاقية جديدة ورفيعة المستوى، وتضع قوانين جديدة تساعد في الحفاظ على الإيمان داخل الروح. لكن ما نلاحظه ليس سوى المزيد من التفكك والتفسخ والانحدار. هل نستطيع أن نتحسس وندرك قبل فوات الأوان ما ينتظرنا؟.