عندما أتكلّم عن التكنولوجيا، أتكلّم عن كافة أنواع الأدوات والآلات القديمة والجديدة منها. التكنولوجيا التي أتحدّث عنها تشمل وسائل الإعلام والتواصل مثل السينما والراديو والتلفزيون. وتشمل أيضاً أحدث التطوّرات في أجهزة الكمبيوتر)desktops, laptops, tablets) والاتصالات (مثل الهواتف المحمولة وأجهزة تحديد المواقع GPS). وتشمل التكنولوجيا في آخر أشكالها الانترنت وعالم المعلومات الذي أصبح اليوم في متناول أولادنا.
تؤثّر التكنولوجيا في أولادنا (وفينا أيضاً) بصورة مباشرة وغير مباشرة على السواء. أوّلاً، تعمل كقناة تدخل عبرها الثقافة الشعبية حياة أولادنا. وقد تغيّرت الثقافة الشعبية بالتأكيد خلال العقدين الماضيين، لكن الوسائل التي تصل بها الى الأولاد شهدت تغييراً أكبر. فبفضل تكاثر تكنولوجيا الاتصالات التي توسّعت بشكل هائل في العشرين سنة الأخيرة، كولادة الانترنت مثلاً وانتشار الهواتف الذكية وظهور تسويق الفيروسات والتوسّع المنقطع النظير لوسائل التواصل الآجتماعي، أصبحت الثقافة الشعبية اليوم أمراً من شبه المستحيل تفاديه في حياة أولادنا، ما يجعلها تؤثّر فيهم في أحوال أكثر وبشكل مباشر أكثر وبقوّة أكبر من أي وقت مضى.
ثانياً، بغضّ النظر عن المحتوى الذي يتمّ نقله، للوسيلة بحدّ نفسها تاثير ناتج عن طبيعتها وخاصياتها الفريدة. لشدّة تركيزنا على محتوى التكنولوجيا لا نلاحظ تأثير التكنولوجيا بحدّ نفسها على الناس. وتصحّ هذه الملاحظة بالتاكيد في أيّامنا الحاضرة حيث يتم التركيز على ما تقدّمه التكنولوجيا – كالفيديو مثلاً والرسائل النصّية وشبكات التواصل الاجتماعي – من دون أي اهتمام يذكر بتأثير عملية استخدام هذه الاختراعات بحدّ نفسها علينا: على توقّعاتنا، انتباهنا، واعادة تحديد ذواتنا وعلاقاتنا.
لكافة التطوّرات التكنولوجية التي حدثت في العقدين الماضيين تأثيراتها على أولادنا بطرق عديدة مختلفة: معرفيّاً، عاطفيّاً، اجتماعيّاً، ثقافيّاً وجسديّاً. لا يزال الباحثون في مجالات مختلفة، مثل المعلوماتية وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وعلوم الجهاز العصبي، يخطون الخطوات الأولى في دراسة هذه المسائل المتعلّقة بالوسيلة بغضّ النظر عن المحتوى والبحث في الطريقة التي تنطبق بها نظرية ماكلوهان على أحدث التطوّرات التكنولوجية. والمخيف قليلاً ربما هو أن الاستقصاءات الأوّلية حول تأثير التكنولوجيا على الأولاد تشير الى أن العديد من الأهل الذين يعيش أولادهم في انغماس كامل في التكنولوجيا لا يفكّرون حتّى بالتشعّبات الناتجة عن المحتوى أو الوسيلة وتأثيرها على نمو أولادهم.
قوّة الأهل
لا ريب في أن التكنولوجيا ذات قوّة هائلة. لكن الأهل ليسوا من جهتهم ايضاً ضعفاء. يتوقّف كل شيء على ما إذا كان الأهل مستعدّين للتشمير عن سواعدهم واستخدام كل طاقاتهم في تربية أولادهم.
فما الذي علينا أن نقوم به كأهل بحيث لايغرق أولادنا في تسونامي التكنولوجيا الذي يغمرهم؟ لا يمكننا اعادة عقارب الساعة الى الوراء. ولا يمكننا تربية أولادنا في الكهوف. لا يمكننا أن نعلّمهم أن التكنولوجيا شرّ مطبق، لأنها ليست كذلك. التكنولوجيا مجرّد أداة وما نفعله بها هو ما يحدّد ما إذا كانت تساعد أولادنا أو تضرّ بهم.
من ناحية أخرى، لا يمكننا ألاّ نتدخّل ونترك التكنولوجيا تؤثّر طوعاً أو كرهاً في أولادنا. اذا قمنا بذلك فهذا يعني أننا نؤمن بسذاجة أن التكنولوجيا لا تقدّم الا المنافع ومن دون أي كلفة. اذا قمنا بذلك فهذا يعني أننا نضع أولادنا تحت رحمة كل ما هو غير مؤكّد ومتقلّب في التكنولوجيا. مثل هذا الموقف يلقي بعبء ثقيل على أولادنا، عبء أثقل من أن يتحمّلوه: اتخاذ القرار في أي تكنولوجيا يستخدمون وفي كيفية استخدامها. وفي هذه الحالة نولي أولادنا ثقة تفوق ما هو منطقي وواقعي، ثقة في امتلاكهم القدرة على التمييز بين الفوائد والمخاطر.
وما يزيد الطين بلّة هو أنه نظراً للتأثير المتزايد للتكنولوجيا، لم يعد تأثيرنا على أولادنا قويّاً كما في الماضي. في الأجيال التي سبقتنا، كان من الأسهل على الأهل أن يسيطروا على حياة أولادهم (بالمعنى الإيجابي) لوجود عدد أقل من القوى الخارجية التي تحاول دخول حياة أسرتهم. كانت البيوت في الماضي منيعة الى حدّ بعيد أمام “العناصر” الثقافية (كان الراديو والتلفزيون أقوى الدخلاء)؛ أمّا اليوم فقد اخترقت الكابلات والأقمار الاصطناعية بيوتنا. غير أن انخفاض تأثيرك في أولادك يجب ألاّ يجعلك ترفعين الراية البيضاء وتستسلمين، لأنك عندما تستسلمين تتخلّين عن أولادك.
علاقة معقّدة
ان العلاقة القائمة بين التكنولوجيا ونمو الأولاد علاقة معقّدة يصعب تحديدها. ونظراً الى أن التجربة من جهة والأبحاث التي تدرس هذه المسألة من جهة أخرى ما تزال محدودة نسبياً، فلا يزال الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في نمو الأولاد غير واضح على الإطلاق. لذلك لا يمكننا تصنيف هذا التأثير بسهولة كتأثير جيّد أو سيّء، صحّي أو غير صحّي. مع ذلك، هناك أربع أسئلة يمكنها مساعدتنا في تحديد مدى تأثير التكنولوجيا على الأولاد وما إذا كان ذلك التأثير بنّاءً أو مؤذياً.
كم مرة في الأسبوع ينغمس أولادك في التكنولوجيا ؟
ما هي نوعية المحتوى الذي يتعرّضون له؟
الى أي مدى تضعين حدوداً وتقدّمين الإرشادات فيما يتعلق بالتكنولوجيا؟
ما مدى تعرّض أولادك لتأثيرات وتجارب إيجابية ؟
أثناء بحثك عن دور التكنولوجيا في حياة أولادك، عليك استخدام هذه الأسئلة الأربعة لتساعدك على تكوين رأي في ما إذا كانت التكنولوجيا مفيدة لنموّه أو مضرّة به