هناك كلمات تكبح الحياة، كلمات تهزّ الثقة بالنفس، كلمات تقلّل من احترامنا لذواتنا وكلمات تقتل. ولكن هناك أيضاً كلمات تحرّر، تكافىء، تفوح منها رائحة عطرة ونصغي إليها بافتتان. إن اختيار الكلمات شبيه باختيار الأسلحة، فالكلمات ضرورية لكي نتقدّم باتجاه الراحة العاطفية أو النفسية أو المهنية. والخطاب برمجة يمكننا دائماً تعديلها، فجميع طيور البط البشعة يمكن أن تتحوّل إلى بجعات جميلة.
“عندما كنت في عمرك”
يكتب طوم (7 سنوات) فروض العطلة على طاولة الحديقة في ظلّ شجرة صنوبر. وعلى مسافة قريبة منه، يعمل والده في الحديقة، وتشذّب والدته شجيرات الورد، فيما الجدان جالسان قرب طوم. ينكب طوم على تمارين الخَط تحت نظر جدّه الذي يلقي عليه بين الحين والآخر نظرة حنونة من فوق نظّارتيه. تتدخّل أمه قائلة: «طوم، أين أصبحت؟
– كدت أنتهي، مام!
– أنا، عندما كنت في عمرك ، لم أكن أستغرق كل هذا الوقت لكتابة صفحة واحدة! وكان خطّي أوضح من خطّك.
تقول كل ذلك بنبرة استخفاف وازدراء، وهي تلقي بنظرة استياء على عمل ابنها.
فتتدخل الجدة عندئذٍ قائلة:
– أنت فتاة يا حبيبتي، والفتيات يكبرن قبل الصبيان.
– بعد أن تنتهي من فروضك، اقرأ قليلاً يا طوم.
– حسناً ماما، يجيب الصبي الصغير وقد خاب ظنه.
هذا التصرّف الكلاسيكي يكشف عن أنانية عنيدة، فعبارة «عندما كنت في عمرك» تعبّر عن وضع الشخص الذي يلعب بذكريات الآخرين فيقفز فوقها ويستبدلها بذكرياته الخاصة.
هذه المقارنة بين الولد ووالده (أو والدته) تضعف ثقة الطفل بنفسه وتحطّ من قدره وتولّد في نفسه شعوراً بعدم الكفاءة. فعندما يغرس الأهل في ذهن ولدهم هذه الآلية القائمة على المقارنة: «إنه أفضل مني»، تصبح هذه الآلية في ما بعد الوقود المحرّك لعقدة الدونية عند الولد.
إن تكرار عبارة «عندما كنت في عمرك..» على مسمع الولد يُلبِسه صفة الخاسر. كما أن مقارنة مؤهلاته ومعرفته ومهارته وذكائه… باستمرار، يعني أننا نحدّد وجوده، بشكل رئيسي، بالمقارنة مع الآخرين
هل نكون على طبيعتنا أم نتظاهر بما لسنا عليه؟
قرّروا موقفكم. إذا أردتم أن يحقّق ولدكم ذاته وأن يشعر بالراحة مع نفسه، فلا تعيقوا استعداداته الشخصية بالإفراط في المقارنات. والداه هما مرجعيته المطلقة. لا تُخضعوه لما أخضعكم له والداكم. المقارنة هي وليدة التشكيك.