الإكتئاب مرض العصر الذي لا بد أن يصاب به المرء ولو مرة في حياته وأحياناً دون أن يدري. فهو يمكن أن يظهر بأشكال متعدّدة. لكن يبدو أن الجنس يلعب دوراً كبيراً في هذه الحالة النفسية! من يكتئب أكثر: الرجال أم النساء؟
على الرغم من أنّ الرجال ينتحرون أكثر من النساء، إلاّ أنّ البحث الطبي لاحظ منذ وقت بعيد أنّ النساء يكتئبن أكثر من الرجال وذلك في كافة الثقافات وفي كافة البلدان. هل هذا ناجم عن ظروف عيش النساء الأصعب من ظروف عيش الرجال؟ أم عن أنّ النساء يكتئبن لأسباب أكثر من الرجال؟ أم أنّ النساء أكثر حساسية على الضغط النفسي؟ ويمكننا أيضاً أن نتساءل ما إذا كانت الفروقات الفيزيولوجية بين النساء والرجال هي المسؤولة عن هذا الفرق. أسئلة كثيرة حاول فريق من الباحثين الأميركيين الرد عليها تحت إشراف الدكتور كندلر Kendler.
راقبوا لأكثر من عشر سنوات خمسة آلاف توأم ولدوا ما بين 1934 و1974 لمعرفة ما إذا كانت الأحداث نفسها تسبب الاكتئاب للرجال والنساء. إذن، طرحت أسئلة على هؤلاء التوائم 4 مرات خلال السنوات العشر، مدة الدراسة.
من يكتئب أكثر: الرجال أم النساء؟
أكدت النتائج أنّ إمكانية الاكتئاب أكبر بكثير عند النساء، فهن يكتئبن أكثر من الرجال بمرتين كمعدل وسطي. وتظهر النتائج أيضاً أنّ الرجال والنساء ليسوا حساسين على الأحداث السلبية نفسها.
إنّ أسباب الاكتئاب الرئيسية عند الرجال هي الانفصال عن حبيب. وغالباً ما تأتي ردود أفعال الرجال سيئة جداً على المتاعب والمشاكل المهنية وعلى البطالة وعلى المشاكل ذات الطابع القضائي. في حين أنّ النساء يكتئبن أكثر في ردّ فعل على المشاكل التي يواجهها المقرّبون منهن (مشاكل صحية لدى أحد المقرّبين، وفاة صديق، مشاكل عائلية)، ما من شأنه أن يؤكد أنّ المرأة تتمتع بقدرة كبيرة على التعاطف مع الغير.
تظهر دراسة كندية أنّ الرجال هم أكثر ميلاً للإصابة باكتئاب شديد في السنتين اللتين تليان الانفصال العاطفي. إن الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و64 سنة والذين تطلقوا أو انفصلوا أكثر ميلاً للإصابة بالإكتئاب بست مرات من أولئك الذين يعيشون مع زوجاتهم. إن النساء اللواتي انفصلن عن أزواجهن هم أكثر ميلاً للإصابة بالاكتئاب بمعدل 3.5 مرات من اللواتي ما زلن يعشن مع أزواجهم. لنكن متفائلين، أعلنت غالبية الأشخاص الذين عانوا من الاكتئاب أنهم تخلصوا من الاكتئاب بعد مرور أربع سنوات على الانفصال.
من يكتئب أكثر؟
إذا كان الرجال يكتئبون أكثر من النساء لأسباب ذات طابع مهني فلأنهم يعطون الأولوية للعمل أكثر من النساء ويقدّمونه على العائلة… وإذا قلّص الرجال جهودهم في العمل فلن يفعلوا هذا بشكل عام لإعطاء الأولوية لعائلاتهم.
إذا كانت أسباب الأحداث التي تثير الإكتئاب مختلفة بالنسبة للجنسين، فهذا لا يفسر لمَ تصاب النساء غالباً بالإكتئاب أكثر من الرجال. إذن، فما سبب هذا؟ هل للأمر علاقة بالهورمونات أم أنّ المسألة جينية أم نفسية؟
لاحظ علماء النفس أنفسهم أن تأثير الأحداث التي تتسبب بضغط نفسي يتراجع مع ارتفاع عدد فترات الإكتئاب. ويبدو أنّ مراحل الاكتئاب لا ترتبط بالعوامل الخارجية لدى النساء اللواتي يحملن عاملاً وراثياً.
لا يُستبعد أن يكون سبب الإكتئاب عند النساء مرتبطاً بالسهولة الكبيرة التي يجدنها في اجترار الذكريات السيئة. فقد اكتشف فريق من الباحثين أنّ ذاكرة النساء أقوى من ذاكرة الرجال في ما يتعلق بالقدرة على تذكّر الأحداث التي شكّلت مصدراً لمشاعر سلبية. ويبدو أنه عندما يرتبط الحدث بانفعال شديد، تجد النساء سهولة أكبر في تذكّره. فالذكريات السلبية تبقى حيّة في ذاكرتهن أكثر من الرجال. وهذه الصعوبة في طردها والتخلّص منها تسهّل حصول حالات الإكتئاب.
من يكتئب أكثر: الرجال أم النساء؟ لا تنسوا مشاركتنا تجاربكم. شكرا لكم. آي فراشة.