وسائل الإعلام والعنف
التأثير المخدّر للعنف الذي تبثّه وسائل الإعلام والتعرّض له، يمكن أن يؤدي إلى عدم ملاحظة ألم الآخرين.
إننا نتعرّض دائماً لمشاهد المذابح التي تبث عبر وسائل الإعلام. وأظن أن جرائم القتل كلها والتنكيل الذي نراه عبر وسائل الإعلام لها تأثير تراكمي وخفي علينا.
عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، أسمع أمي توبخني كلما كنت ألتقط مسدساً دمية أو أدّعي أنني أطلق النار بأصابعي. أوضحت لي أن الأسلحة ليست مضحكة، إنما أشياء مصَممّة للتسبب بالألم. كانت أمي تبالغ بموقفها إذ أنني كنت أعيش في مكان مفتوناً بشكل متزايد بالأسلحة والأشخاص الغريبي الأطوار.
هل كان توبيخ والدتي الصارم لي لقاحاً؟ أعتقد أنه كذلك. بينما كان منعي من استخدام الأسلحة يجعلها أكثر جاذبيّة ، كان في الوقت نفسه يجعلني أفكر في ما أفعله في كل مرة ألعب فيها بأسلحة حقيقيّة أو خياليّة.
يبدو مقدار العنف الذي كنت أشاهده في طفولتي ضعيفاً مقارنة مع ما يشاهده الأطفال اليوم.
هذه هي الإحصاءات: سيشاهد الطفل الأميركي العادي 200000 مشهد عنف ويشهد على 16000 جريمة قتل على التلفاز حتى بلوغه الثامنة عشر من عمره. هذا سيء جداً، ولكن هناك أخبار سيئة أكثر. حصل العنف الذي تبثه وسائل الإعلام على المزيد من الرسوم البيانية والإحصاءات. وما يجعل الأمور أكثر سوءاً، هو أن معظم مشاهد العنف التي تعرض على التلفاز تتم من دون أن يعاقب عليها القانون أو لا تؤخذ على محمل الجدّ.
وفي دراسة أجراها “براد بوشمن” وكريغ أندرسون”، تبيّن أن التعرّض للعنف غير المبرر في وسائل الإعلام يقلّل من تقديم المساعدة للناس عند الألم. وفي أحد الاختبارات، تبيّن أن الأشخاص الذين كانوا يلعبون ألعاب العنف يستغرقون وقتاً أطول لمساعدة ضحية مصابة، معتبرين أن الأمر ليس خطراً جداً. كما كانوا أقل عرضة لسماع القتال القائم مقارنة مع المشتركين الذين كانوا يلعبون ألعاباً غير عنيفة. ورأى اختبار آخر نتائج مشابهة عندما كان المشتركون يشاهدون فيلم عنف.
التعرض للعنف في وسائل الإعلام يفقدنا الحس تجاه أي مصيبة أخرى وقد يؤدي إلى استبعاد ألم آخر وحتى إلى عدم ملاحظته.
من المسؤول إذاً؟ الآباء الذين لا يوبخون أطفالهم الذين يلعبون بالأسلحة، والعاملون في وسائل الإعلام الذين هدفهم الوحيد زيادة الأرباح، والفنانون الذين لا يميزون بين حق الإنتاج وما يحق إنتاجه، هاوو الأسلحة الذي يجعلون من الأسلحة هوساً، قطاع يجني المليارات من بيع الأسلحة للمدنيين، والمجتمع الذي يجعل من حاملي المسدسات ورجال العصابات أسطورة.
يحدث تغير الثقافة عندما يقول الناس ما يجب قوله. ويُظهر الدليل أن لدينا كماً هائلاً من العنف. إنه يجعلنا أكثر فظاظة وقساوة وأقل إنسانية.
المصدر: psychology today
(وسائل الإعلام والعنف)