تقرير جديد مذهل من المعهد الوطني الأميركي للسرطان يكشف عن أن “الحرب على السرطان” التي تدوم منذ 40 سنة تشنّ ضد عدو يساء فهمه بشكل خطير لأن العديد من السرطانات لا تشكل تهديداً لصحة الإنسان ولا خطراً على حياته.
أشار المعهد الوطني للسرطان في تقرير نشر في مجلة JAMA على شبكة الإنترنت إلى ضرورة أن يكفّ المهنيون والناس عن وصف الأورام الضئيلة الخطورة مثل أورام الثدي DCIS وأورام البروستات HGPIN بأنها سرطانات.
ولهذه التوصية تداعيات كبيرة فالملايين من النساء يتم تشخيص حالات أورام ثدي DCIS لديهن والملايين من الرجال يقال لهم إنهم مصابون بسرطان البروستات HGPIN ويخضعون جميعاً للعلاج المعتمد ضد السرطان. لكن ابتداء من الآن سيعتبرون “ضحايا” خطأ في التشخيص والعلاج، ويمكنهم اللجوء إلى القضاء للحصول على التعويض؟
كل من يعمل في حقل الكشف عن السرطان سوف يحتاج الآن إلى إعادة النظر وتقدير مخاطر ومنافع هذه الاستراتيجية الوقائية، آخذاً في الاعتبار أنه خلال 10 أعوام فقط بلغت نسبة النساء اللواتي تمّ تشخيص حالة سرطان لديهن وتلقين العلاج دون أن يكن مصابات فعلاً بأورام خطيرة هي أكثر من 50? من النساء الخاضعات سنوياً لفحص الثدي.
ولقد بيّنت الدراسات أن التهافت على القيام بالصور والفحوصات التشخيصية الوقائية تؤدي إلى مبالغة في تشخيص الحالات عبر حملات الكشف المبكر عن السرطان. فثمة أورام تنمو بشكل بطيء جداً ولا تظهر أية أعراض، ولا تلحق أي ضرر بالإنسان إذا ما تركت دون تشخيص وعلاج.
الملايين من الناس يتمّ الكشف لديهم عن شذوذ لا سرطان، ولكن حتى الأورام التي تعتبر سرطاناً سريع النمو غالبا ما تصبح أكثر خبثاً بسبب العلاج الكيميائي التقليدي، والعلاج بالأشعة والعمليات الجراحية المعتمدة لاستئصال السرطان.
الأورام السرطانية السريعة النمو سوف يكون من الصعب جداً اكتشافها عبر الكشف المبكر، وسوف تتفاقم بسرعة وتظهر أعراضا وتؤدي إلى الموت ما لم يخضع المريض لعلاج ثقيل جداً.
حتى في حالة العثور على ورم في وقت مبكر بما فيه الكفاية لاحتوائه من خلال الجراحة، والعلاج الكيميائي و / أو الأشعة، من المعروف أن الخلايا الجذعية السرطانية داخل هذه الأورام ستصبح أقوى وبالتالي يصبح السرطان أكثر خبثاً إذا ما تمّ علاجه بالوسائل التقليدية . على سبيل المثال، اكتشف الباحثون في جامعة كاليفورنيا في مركز Jonnsson الشامل للسرطان أن العلاج الإشعاعي يحوّل خلايا سرطان الثدي إلى خلايا شبيهة بالخلايا الجذعية شديدة الخبث، وأخطر بثلاثين مرة من الخلايا التي كانت موجودة قبل العلاج.
على كل العالم أن يغيّر نظرته إلى السرطان من عدو علينا أن نشن حرباً ضده، إلى عملية يقوم بها جسمنا، كردة فعل تتيح له البقاء على قيد الحياة في محيط يفتقر إلى العناصر الغذائية الضرورية، وبيئة ملوّثة بشكل متزايد ومشبعة بالإشعاعات. علينا أن نبدأ باعتبار السرطان آلية بقاء قديمة.
وعندما ننظر إلى السرطان من منظار الخوف ونعتبره فوضى شاملة وجنون خلايا، نصبح عرضة لاتخاذ خيارات غير عقلانية. حتى أنه تمّ اكتشاف أن الحالة الفزيولوجية التي يسببها الخوف تنشط بروتينات مقاومة لأدوية عديدة داخل الخلايا السرطانية.
كلمة ” سرطان” في كثير من الأحيان تستدعي إلى الفكر شبح مرض قاتل لا محالة، ومع ذلك، السرطانات غير متساوية، ويمكن أن تتبع مسارات متعددة، وليس كل من أصيب بالسرطان مصيره الموت، فالبعض لا تسبب له الأورام أي ضرر ولا أي تداعيات على حياته.