الفلاح واكتشاف مقياس السعادة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

الفلاح

Paiting:Vincent-Van-Gogh

الجزء الثاني
تلفت الفلاح حوله مرة أخرى ولاحظ أن الكون قد أصبح رائعاً. لقد أدرك أنه يحب زوجته على الرغم من أنه في السابق كان يعنّفها ويطلب منها الطاعة فقط. لقد أدرك كم يحب أبناءه ولم يكن سابقاً يلحظ ذلك. لقد فهم فجأة أن عليه أن يعامل الجار السيء كما يعامل الولد الذي لا يجب الإكثار من توبيخه كما لا يجب إفساده بالتدليل. وهذا يعني أن أفضل مساعدة للإنسان هي تربيته وتعليمه. ولكي نقدّم العون للنفس يتعيّن أحياناً أن ندلل الجسد وأحياناً أن نتشدد عليه.

في ذلك اليوم غطّ الرجل في النوم سعيداً على الرغم من خسارته لمستقبله، فهو لن يتمكن من بذر الحبوب كما لم يبرأ من مرضه،إلا أن تحصيل خبزه اليومي لم يعد المقياس المهم لسعادته. لقد أدرك الآن كيف كانت اهتماماته اليومية برفاهيته المادية تحجب عنه نفسه ذاتها. الآن فقط أدرك أنه لم يكن سعيداً منذ بضع سنين خلت. لقد توقفت نفسه عن الغناء وفقد العالم بهجته. لقد أقنع نفسه على الدوام أن سنابل القمح هي السعادة الكبرى. لكنه الآن، وهو مريض يشرف على الهلاك، أدرك أن نفسه قد جمعت في السنوات الأخيرة محصولاً يتكون من عدم الاهتمام بالغير ومن الخصومات معهم ومن البخل.

هذا التوجه يؤدي إلى عذاب النفس، ولكي يلهي الإنسان نفسه عن عذاب النفس يتحول إلى الماديات ويقنع ذاته أن السعادة الرئيسية هي في المال والخيرات المادية وفي المتعة الجنسية. إذا نسينا نفسنا فلن نعود نلاحظ عذابها.
وعلى الرغم من حالته الميؤوس منها، فقد غطّ الفلاح في نومه بهدوء وطمأنينة، فقد أدرك لتوه أن السعادة العظمى هي عندما تكون النفس سعيدة. وفي الصباح استيقظ وقد أصبحت حالته لدهشته أسوأ بكثير. كان تنفسه صعباً طوال اليوم بسبب الألم الذي يشل جسده، ولكن في الوقت ذاته شيء ما قد تغيّر. لم تعد المصائب والخسائر وحتى الالم الجسدي، تثير فيه لا الحزن ولا الامتعاض ولا الاضطراب ولا التذمر من القدر. لقد جعله الألم أكثر طيبة وتسامحاً، وأرغمه هذا أن ينسى أمر جسده ويتجه بخطى حثيثة نحو نفسه.

إذا كان الطعام ضرورياً لإنقاذ الجسد ولبقائه، فإنه لا بد لإنقاذ النفس وبقائها من حب الله. هذه البذور التي وهبها الخالق تنقذ الإنسان على الدوام، فكلما تفاقم عذاب الإنسان ازداد حبه لله. استمر مرضه عدة أيام أخرى لكن حالته أخذت بالتحسن نفسياً وبدنياً أيضاً، ورأى لدهشته أن ولديه قد تماثلا للشفاء. فهم أن نظرته للعالم لم تكن تقتله وحده فقط بل أولاده أيضاً.
بعد أسبوع خرج إلى حقله برفقة ولديه وأخذ يبذر الحبوب. بعد ذلك حدث صقيع مفاجئ، ولكن على الرغم من ذلك كان المحصول أكبر من العام المنصرم وكانت السنابل رائعة ولم تتلف الحبوب.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

التعليقات مغلقة.